شادي منصور
يا لها من مفارقة صارخة. في زمن أصبحت فيه العدالة تُقاس بمدى النفوذ لا بسيادة القانون، يدخل رئيس سابق لدولة عظمى إلى السجن، بينما يخرج من تسبب في كارثة اقتصادية لوطنه وكأن شيئًا لم يحدث.
نيكولا ساركوزي، الرئيس الأسبق للجمهورية الفرنسية، تلقى بلاغًا رسميًا بموعد دخوله السجن لقضاء حكم مدته خمس سنوات بعد إدانته بتلقي تمويل غير قانوني لحملته الانتخابية.
من الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، رجلٌ تولى قيادة فرنسا، وجلس إلى جانب أقوى زعماء العالم، يجد نفسه اليوم في انتظار زنزانة تُفتح باسمه باسم العدالة. على الجانب الآخر، رياض سلامة، الحاكم السابق لمصرف لبنان، الذي ارتبط اسمه بأحد أكبر الانهيارات المالية في العصر الحديث، يغادر السجن وسط صمت رسمي يوحي بأن المسألة مجرد “إجراء قانوني روتيني”.
الفرق بين الرجلين لا يتعلق بحجم المال، بل بنوع العدالة التي طالت كلاً منهما.
في فرنسا، أُدين ساركوزي بسبب ملايين معدودة خصصها لحملته الانتخابية، في بلد يقدّس القانون، ولا يساوم عليه. أما في لبنان، فالاتهامات تطال سلامة في قضايا تتعلق باختفاء نحو مئة مليار دولار من أموال المودعين، وسط منظومة سياسية تحكمها الولاءات والمصالح عوضا عن القانون.
في فرنسا، العدالة لا تعرف أسماء ولا وجوهاً. أما في لبنان، فالأسماء والعلاقات العائلية، والحصانة الطائفية تسبق كل شيء. هناك، يُحاسَب الرئيس باسم الشعب، وهنا، الشعب يبحث عن عدالة ضائعة باسم السماء.
لحظة خروج رياض سلامة من السجن لا تُعدّ حدثًا قانونيًا بقدر ما هي إلا مشهد رمزي مؤلم: رسالة مفادها أن من يعرف كيف يلعب اللعبة يمكنه أن ينجو، حتى لو سرق شعبًا بأكمله. في المقابل، مشهد دخول ساركوزي السجن هو تأكيد جديد على أن القانون في فرنسا لا يستثني أحدًا، حتى من جلس في قصر الإليزيه.
تلك المفارقة تفضح حجم الهوة: رئيس دولة يُسجن لانتهاكه القانون الانتخابي، بينما يُعامَل حاكم مصرف لبنان كأنه خبير اقتصادي، رغم مساهمته في تدمير الاقتصاد الوطني.
ساركوزي سيسجن في زنزانة صغيرة ضمن دولة تحترم القانون، أما سلامة، فقد خرج إلى سجنٍ كبير اسمه لبنان، بلد تلاشت فيه الدولة، وتحولت العدالة إلى شعار منسي على جدران قصر العدل.
في فرنسا، تُنهي الفضيحة المسيرة السياسية. أما في لبنان، فالفضيحة تفتح أبوابًا جديدة للنفوذ والسلطة. هناك، السجن نهاية. وهنا، مجرد استراحة قصيرة بين مرحلتين من الحكم.
اللبنانيون الذين خسروا ودائعهم يرون من كان رمز الانهيار المالي يخرج مطمئنًا، واثقًا من الحصانة. بينما يرى الفرنسيون العدالة تُطبّق فعليًا، حتى على من كان في القمة.
لو أن ساركوزي كان لبنانيًا، لربما دُعي للمشاركة في مؤتمر اقتصادي، وحاز لقب “خبير في الحوكمة”. ولو أن سلامة كان فرنسيًا، لربما كان اليوم يناقش مع ساركوزي من زنزانته كيفية التصدي للفساد المالي.
المشهد مقلوب تمامًا: في فرنسا، العدالة تحاكم الرئيس لحماية الدولة. في لبنان، الدولة تحمي المتهم للحفاظ على النظام.
الأول دخل السجن احترامًا للقانون، والثاني خرج منه استهزاءً بالشعب.
في نهاية الأمر، كلاهما مرّ من باب واحد، لكن في اتجاهين متعاكسين: هذا دخل باسم العدالة، وذاك خرج باسم الحصانة.