شهدت القارة الإفريقية خلال العقد الأخير تحوّلات عميقة في خريطة الحركات الجهادية المسلحة، التي انتقلت من كونها شبكات عابرة للحدود إلى فاعلين محليين متجذرين في الصراعات الإثنية والاقتصادية.
ومع تصاعد التهديدات الأمنية وانهيار آليات التعاون الإقليمي، برزت الحاجة إلى مقاربات جديدة تجمع بين الأمن والتنمية والوعي الديني.
وفي هذا السياق، يبرز المغرب كفاعلٍ إستراتيجي محوري يسهم، بفضل نموذجه المتوازن في مكافحة التطرف، في ترسيخ الاستقرار بالقارة وتعزيز الأمن الجماعي الإفريقي.
كما أشرنا، شهدت القارة الإفريقية خلال العقد الأخير صعودًا ملحوظًا للتنظيمات الجهادية المسلحة.
حيث تحوّلت الظاهرة من نموذج عابرٍ للحدود إلى نموذجٍ محليٍّ متجذّرٍ في النزاعات الإثنية والاقتصادية.
وانعكست هذه التحولات بعمق على الأمن القاري والإقليمي، مما جعل من مكافحة التطرف تحديًا مركزيًا أمام دول القارة.
خريطة بؤر التوتر وتطورها (2014–2023)
1. منطقة الساحل الإفريقي
بروز «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» الموالية لتنظيم القاعدة، و«تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى».
توسّع نطاق العمليات ليشمل بنين وتوغو وساحل العاج.
انهيار آليات التعاون الإقليمي، وعلى رأسها مجموعة G5 الساحل، وظهور إدارات محلية خاضعة للجماعات المسلحة.
2. القرن الإفريقي
تُعدّ «حركة الشباب» في الصومال النموذج الأكثر تماسكًا، بفضل سيطرتها الإدارية والاقتصادية الفعلية على مناطق واسعة.
3. حوض بحيرة تشاد
انقسام تنظيم «بوكو حرام» بعد مقتل زعيمه أبي بكر شيكاو، وصعود فرع «الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا» (ISWA) كقوة رئيسية.
4. الجنوب والشمال الإفريقي
في موزمبيق، استمرار تمرد «أهل السنة والجماعة» الموالي لتنظيم داعش.
في ليبيا وتونس، تراجع النشاط المسلح مع استمرار وجود خلايا نائمة.
في الجزائر، ضعف العمليات الميدانية رغم استمرار الدور اللوجستي لبعض الشبكات.
التحولات الحديثة (2020–2025)
تحوّلت الجماعات المسلحة من فاعلين أيديولوجيين صرف إلى فاعلين اقتصاديين يسيطرون على التجارة غير الشرعية ومناطق التعدين، ويسعون إلى شلّ الحركة الاقتصادية في الدول المستهدفة.
توسّع نشاطها جغرافيًا نحو سواحل خليج غينيا وشرق القارة.
بروز الفضاء السيبراني كساحة جديدة للتجنيد والدعاية والتنسيق العملياتي.
المغرب كفاعل محوري في استقرار إفريقيا
1. القيادة الدينية والأمنية
يعتمد المغرب مقاربة ثلاثية الأبعاد تجمع بين الأمن والتأطير الديني عبر معهد محمد السادس لتكوين الأئمة، والوقاية من التطرف من خلال سياسات الإدماج والمراقبة الدينية.
حظي النموذج المغربي بإشادة دولية واسعة نظرًا لفعاليته في مكافحة التطرف والإرهاب.
2. التعاون الإفريقي والدبلوماسية الأمنية والاقتصادية
إرساء شراكات ثنائية مع دول الساحل وغرب إفريقيا في مجالات التدريب وتبادل المعلومات الاستخباراتية.
المساهمة في هندسة الأمن القاري داخل الاتحاد الإفريقي.
تعزيز الدبلوماسية الروحية عبر مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، بما يدعم وحدة المرجعية الدينية في القارة.
3. الرؤية الإستراتيجية المستقبلية
ترسيخ مفهوم الأمن المتعدد الأبعاد الذي يدمج بين التنمية والاستقرار والتأطير الديني.
تعزيز الدور المغربي داخل الفضاء الأطلسي الإفريقي كجسرٍ يربط إفريقيا بأوروبا.
اعتبار الرباط مركزًا مرجعيًا للأمن الإقليمي، خصوصًا بعد انهيار بنية G5 الساحل.
آفاق ومقترحات
1. إنشاء مركز ساحلي–أطلسي للتنسيق الأمني والرقمي والتنمية.
2. دعم برامج التعاون المغربي–الإيكواس لمواجهة تمدد الجماعات المتطرفة نحو الساحل الغربي.
3. تأسيس مركز إفريقي للأمن السيبراني لمكافحة الدعاية الجهادية الرقمية.
4. توسيع الدبلوماسية الدينية المغربية لتشمل تكوين النخب الشبابية والدعوية الإفريقية.
5. ترسيخ مبدأ التعاون جنوب–جنوب كقاعدةٍ أساسيةٍ للاستقرار الإفريقي المستدام.
ختامًا: لم يعد التطرف العنيف في إفريقيا ظاهرةً مستوردة، بل أصبح مكوّنًا من مكوّنات الواقع المحلي، ما يستدعي مقاربة شاملة تدمج بين الأمن والتنمية والهوية الدينية.
وفي هذا الإطار، يبرز المغرب كنموذجٍ إفريقيٍّ فريدٍ استطاع الموازنة بين الصرامة الأمنية والانفتاح الروحي، ليغدو اليوم القطب الرئيسي للاستقرار في الجناح الأطلسي لإفريقيا بحلول عام 2030.





2 تعليقات