أقدم المجلس العسكري الحاكم في النيجر على تبني إستراتيجية أمنية جديدة توصف بالجريئة، تقوم على دمج عناصر سابقة من الجماعات المتطرفة والمتمردة داخل صفوف القوات المسلحة النظامية، في خطوة تهدف إلى تعزيز قدرات الدولة في مواجهة التنظيمات العنيفة المنتشرة على حدودها الشمالية والشرقية، مثل “بوكو حرام” وفروع تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية.
وتأتي هذه الخطوة في وقت يتصاعد فيه النشاط المسلح في مناطق التماس مع مالي وليبيا، ما جعل نيامي تبحث عن مقاربة مختلفة تقوم على المصالحة وإعادة الإدماج بدل المواجهة العسكرية وحدها.
ووفق ما أعلنته وزارة الداخلية، فقد خضع 369 فرداً من المقاتلين السابقين، بينهم نساء وأطفال، لبرامج تدريب وتأهيل داخل مركز “حمد الأي” على بعد نحو 60 كيلومتراً من العاصمة نيامي، تمهيداً لدمج جزء منهم في الجيش والحرس الوطني، بينما جرى توجيه البقية نحو مشاريع اقتصادية تهدف إلى خلق مصادر دخل مستقرة.
وأوضح البيان الرسمي أن هؤلاء الأفراد “استجابوا طوعاً لنداء الجنرال عبدالرحمن تياني، رئيس المجلس العسكري، للتخلي عن العنف والانخراط في حماية الدولة”.
غير أن هذه الخطوة، التي تصب في إطار ما تسميه السلطات “المصالحة الوطنية”، أثارت جدلاً واسعاً داخل الأوساط السياسية والحقوقية، التي حذرت من مخاطر السماح لأفراد ارتبطوا سابقاً بجماعات إرهابية بالولوج إلى مؤسسات أمنية يفترض أن تكون حصن الاستقرار الداخلي.
ويرى مراقبون أن دمج هؤلاء دون آليات دقيقة للفرز والتأهيل الفكري قد يفتح الباب أمام اختراق محتمل للمؤسسة العسكرية، خاصة في ظل تجارب إفريقية مشابهة انتهت بكوارث أمنية، على غرار ما حدث في شمال مالي بعد انشقاقات داخلية في صفوف الجيش.
في المقابل، أطلقت الحكومة برنامجاً موازياً تحت اسم “درع الوطن” بقيادة حركة الاتحاد المقدس، وبدعم من وزارة الداخلية، يهدف إلى تجنيد متطوعين من الشباب لمساندة القوات النظامية في مواجهة الجماعات المسلحة.
إلا أن معارضين اعتبروا أن البرنامج يحمل في طياته بوادر عسكرة المجتمع، وربما يُستغل لتصفية الخصوم السياسيين أو تأجيج النزاعات العرقية في بلد يعاني تاريخياً من هشاشة التوازن القبلي وتعدد الانتماءات الإثنية.
وبينما رحب بعض المسؤولين المحليين بالمبادرة، ووصف العقيد ماينا بوكار، حاكم ولاية تيلابيري، المقاتلين السابقين بأنهم “عادوا إلى حضن الجمهورية”، فإن تحدي الحكومة لا يكمن فقط في استقبال هؤلاء، بل في ضمان ولائهم للدولة بعد سنوات من الانخراط في الفكر المتشدد والعمل المسلح.
ويحذر محللون من أن هذه الخطوات، إن لم تُرفق ببرامج صارمة للمراقبة وإعادة التأهيل النفسي والديني، وإدماج اقتصادي يعالج جذور التطرف من فقر وتهميش وغياب للعدالة، فقد تتحول إلى عبء أمني جديد بدل أن تكون رافعة للاستقرار.
وفي بلد يُعد من بين الأفقر في العالم والأكثر عرضة للاضطرابات، تبدو هذه المقاربة الأمنية أقرب إلى مقامرة سياسية وأمنية. فبينما تؤكد السلطات أنها تسعى إلى استيعاب المقاتلين السابقين وتحويلهم إلى عناصر فاعلة في حفظ الأمن، يخشى المراقبون أن تتحول هذه الإستراتيجية إلى نقطة ضعف داخل المنظومة الدفاعية إذا فشلت في إعادة تأهيلهم واحتوائهم ضمن مشروع وطني جامع.





تعليق واحد