في خطوة تجسد تفاعلاً مباشراً مع موجة المطالب الشبابية الأخيرة، كشفت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي أن الحكومة المغربية تعتزم إدخال تعديلات على مشروع موازنة عام 2026 بهدف توجيه الإنفاق نحو قطاعي الصحة والتعليم بشكل أوسع، استجابةً للحراك الشبابي الذي عُرف إعلامياً باسم “حراك جيل زد”.
وجاء تصريح الوزيرة على خلفية احتجاجات شبابية شهدتها عدة مدن مغربية خلال الأسابيع الماضية طالبت بتحسين الخدمات الأساسية وتقليص الفوارق الاجتماعية، وهو ما دفع الحكومة إلى تبني خطاب أكثر انفتاحاً تُوّج بدعوة رئيس الحكومة عزيز أخنوش الشباب إلى حوار وطني مباشر لبحث سبل الإصلاح.
وأكدت فتاح العلوي، في تصريحاتها على هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن، أن ما عبّر عنه الشباب في الشارع «هو في جوهره مطالبة بتعليم وصحة أفضل»، مشيرةً إلى أن الإنفاق الحكومي على القطاعين لا يزال دون 9% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يفتح الباب أمام إعادة هيكلة أولويات الدولة.
وأوضحت أن الحكومة ستُعيد تخصيص الموارد المالية نحو مشاريع قادرة على تحقيق أثر ملموس في المدى القصير، من قبيل تطوير وتشغيل المستشفيات المحلية لتقريب الخدمات الصحية من المواطنين في المناطق البعيدة، مؤكدة أن «الناس لا يمكنهم الانتظار حتى تكتمل الإصلاحات الكبرى»، مضيفة أن تفاصيل هذه الخطط ستُعرض ضمن المشروع المالي لسنة 2026 والمتوقع أن يُقدَّم إلى البرلمان المغربي أواخر أكتوبر الجاري لمناقشته وإقراره.
كما أكدت أن الموازنة الجديدة ستتضمن إجراءات داعمة لتوجه الملك محمد السادس نحو الحد من التفاوتات الاجتماعية والمجالية، عبر تخصيص اهتمام خاص للمناطق الجبلية والواحات، مشيرة إلى أن هذا التوجه قد يتطلب موارد إضافية لكنه سيُدار بكفاءة عالية دون المساس بتوازنات الاقتصاد الكلي.
وفي ما يخص نظام الصرف الأجنبي، كشفت الوزيرة أن الوزارة تعمل على تحديد مستوى التضخم المستهدف على المدى المتوسط قبل الانتقال إلى مزيد من مرونة سعر الصرف، مشيرة إلى أن الهدف سيُعلن في أواخر 2026 أو مطلع 2027، ويتراوح بين 2 و3 بالمئة.
وأكدت أن خطوة تحرير سعر صرف الدرهم ليست وشيكة، موضحة أن «الشركات الصغيرة والمتوسطة ليست مستعدة بعد لهذا التحول، على عكس الشركات الكبرى»، وأن أي تعجيل في العملية قد يعرض القطاع المالي لمخاطر غير محسوبة.
كما أشارت إلى أن الحكومة لا تنوي في الوقت الراهن العودة إلى الأسواق الدولية عبر إصدار سندات جديدة، لكنها ستواصل بشكل منتظم هذا النوع من التمويل متى اقتضت الضرورة، في إطار سياسة مالية متوازنة تراعي ظروف السوق العالمية.
وتعكس تصريحات فتاح العلوي تحولاً لافتاً في النهج الاقتصادي والاجتماعي للحكومة المغربية، إذ تؤكد وعياً متزايداً بضرورة الإنصات للمطالب الاجتماعية وتوجيه الإنفاق العمومي نحو القطاعات التي تمس حياة المواطنين مباشرة، في وقت يبرز فيه حراك “جيل زد” كقوة ضغط جديدة تعيد ترتيب أولويات الدولة، بين الحاجة إلى استقرار اقتصادي والالتزام بتحقيق العدالة الاجتماعية.




