تقاريردوليسياسة
أخر الأخبار

إسرائيل تشنّ حربها الثامنة.. حملة رقمية ضخمة لاختراق الوعي الأميركي والتأثير في الذكاء الاصطناعي

الوثائق الأميركية التي استند إليها التقرير أوضحت أن الحملة تسعى للتأثير في مسارات الرأي العام الأميركي عبر شركات الدعاية ومؤثرين يتلقون تمويلاً مباشراً من الحكومة الإسرائيلية لنشر روايات مؤيدة لإسرائيل..

أطلقت وزارة الخارجية الإسرائيلية واحدة من أضخم حملاتها في مجال “الدبلوماسية العامة” داخل الولايات المتحدة منذ اندلاع الحرب على غزة، رصدت لها ميزانية هائلة تقارب 145 مليون دولار، بهدف إعادة صياغة الصورة الإسرائيلية المهتزة في الوعي الأميركي، خصوصاً لدى فئة الشباب المعروفة بجيل “زد”، الذين باتوا أكثر انتقاداً للسياسات الإسرائيلية.

الحملة التي كُشف عنها عبر موقع “واي نت” التابع لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، تنفذها شركة أميركية تُدعى “كلوك تاور” يقودها براد بارسكيل، المدير السابق لحملة الرئيس دونالد ترامب، بالتعاون مع وكالة “هافاس ميديا” ومكتب الإعلانات الحكومي الإسرائيلي، حيث تستهدف أكثر من 50 مليون ظهور شهري لمحتوى رقمي موجه بشكل أساسي لمنصات “تيك توك” و”إنستغرام” و”يوتيوب” و”البودكاست”، في محاولة لخلق موجة تأثير ممنهجة داخل شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت ساحة رئيسية للصراع السردي حول الحرب على غزة.

الوثائق الأميركية التي استند إليها التقرير أوضحت أن الحملة تسعى للتأثير في مسارات الرأي العام الأميركي عبر شركات الدعاية ومؤثرين يتلقون تمويلاً مباشراً من الحكومة الإسرائيلية لنشر روايات مؤيدة لإسرائيل، في تكرار لمنهج “التأثير الناعم” بأساليب رقمية حديثة تتجاوز الإعلام التقليدي.

الأخطر في هذه الاستراتيجية الجديدة يتمثل في سعيها للتأثير في أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل “شات جي بي تي” و”جيميني” و”غروك”، عبر ما يعرف بمفهوم تحسين محركات الذكاء التوليدي GEO، وهي تقنية مشابهة لتحسين محركات البحث (SEO) لكنها تستهدف التأثير على البيانات التي تتغذى بها النماذج الذكية، مما يغير بشكل غير مباشر في كيفية عرض القضايا المتعلقة بإسرائيل عند تفاعل المستخدمين مع هذه الأنظمة.

هذا التطور يكشف عن تحول الذكاء الاصطناعي إلى ميدان صراع سياسي وإيديولوجي، إذ تسعى تل أبيب إلى إعادة برمجة الوعي الجمعي من داخل الفضاء الافتراضي ذاته، لا من خلال الإعلام الموجه فحسب. ووفق تصريحات غادي إفرون، الرئيس التنفيذي لشركة الأمن السيبراني الإسرائيلية “نوستيك”، فإن هذه التقنية “ترسم خرائط جديدة للمصادر التي تؤثر على ردود أنظمة الذكاء الاصطناعي”، بما يعني عملياً أن من يتحكم في المحتوى الخام، يتحكم في نتائج المعرفة ذاتها.

بالتوازي مع حملة “كلوك تاور”، أطلقت إسرائيل مشروعاً موازياً تحت اسم “مشروع إستير”، يهدف إلى تمويل مؤثرين أميركيين لبث محتوى مؤيد لإسرائيل مقابل مبالغ تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات، في إطار خطة أوسع تشمل لاحقاً توظيف مؤثرين إسرائيليين وشركات أميركية كواجهة. ويرى مراقبون أن هذا التوجه يعكس حالة ذعر سياسي في تل أبيب أمام تآكل صورتها الأخلاقية في الوعي الغربي بعد عامين من حرب غزة، إذ أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن أقل من 10% من الشباب الأميركيين بين 18 و34 عاماً يؤيدون العمليات العسكرية الإسرائيلية، بينما يعتبر نحو نصفهم أن ما تقوم به إسرائيل يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، ما جعل القيادة الإسرائيلية ترى في منصات التواصل الاجتماعي جبهةً لا تقل أهمية عن الجبهات العسكرية.

وقد تُوجت هذه الحملة الرقمية بلقاء جمع بنيامين نتنياهو بعدد من المؤثرين الموالين لإسرائيل داخل القنصلية الإسرائيلية في نيويورك، حيث وصف رئيس الحكومة تلك المنصات بأنها “الجبهة الثامنة” في الحرب، مؤكداً أن “أهم سلاح اليوم هو وسائل التواصل الاجتماعي”، داعياً إلى التعاون مع شخصيات مثل إيلون ماسك والاستثمار في “تيك توك” لضمان النصر في ساحة الإدراك العام.

إلا أن هذا اللقاء أثار موجة جدل واسعة، إذ اعتبره منتقدون محاولة دعائية لتبييض الحرب، بينما كان أهالي المحتجزين الإسرائيليين يتظاهرون في الخارج مطالبين بوقف القتال.

هكذا، تدخل إسرائيل مرحلة جديدة من صراع النفوذ الإعلامي عبر أدوات الذكاء الاصطناعي، حيث لم تعد الحرب تدار فقط بالمدافع والطائرات، بل ببرمجيات تصوغ الحقيقة كما تريدها السلطة، لتصبح معركة الرواية العالمية في زمن “الذكاء الموجّه” الوجه الأخطر للصراع المعاصر.

https://anbaaexpress.ma/il9mo

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى