يروى (الوردي) عن امرأة مذهلة هي (قرة العين) عاشت في النصف الأول من القرن التاسع عشر وأصلها من (قزوين) جمعت بين أربع صفات: الجمال الفاتن والذكاء المفرط والشخصية القوية واللسان الفصيح وهي صفات لا ينال المرء واحدة منها. ويصفها أخوها على النحو التالي:
(أننا جميعاً ما كنا نقدر أن نتكلم في حضرتها لأن علمها كان يرعبنا وإذا تصادف وتكلمنا في مسألة فإنها كانت تتكلم بكل وضوح وإتقان على البداهة حتى نعلم أننا أخطأنا السبيل ونتركها ونحن متحيرون) هذه المرأة النارية الساحرة أصبحت حديث أهل طهران فاجتمع الرجال والنساء على حديثها الساحر ولم يكن يسمعها أحد إلا زلزل وارتج وبكى من التأثر. وكان مصيرها أن قتلت بوضعها:
(في فوهة مدفع وأطلق عليها قنبلة مزقتها إربا إربا) ويقال أنها: (خنقت بمنديل من الحرير قدمته بنفسها إلى جلادها ثم أنزلت في بئر وهيل عليها التراب) وليس لها قبر. ووصف (الكونت دي غوبينو) في كتابه (الأديان والفلسفات في آسيا الوسطى) بقوله: (كان الكثير من الذين عرفوها وسمعوها في أوقات مختلفة من حياتها يذكرون لي دائماً أنها فضلاً عما اشتهرت به من العلم والغزارة في الخطب فإن إلقاءها كان من السهل الممتنع وكان الناس أثناء تكلمها يشعرون باهتزاز وتأثير إلى أعماق قلوبهم مفعمين بالإعجاب وتنهمر دموعهم من الآماق).
ويعلق على هذه الشخصية النادرة عالم الاجتماع العراقي (الوردي) فيقول: (إنها عبقرية جاءت في غير زمانها أو هي سبقت زمانها بمائة سنة على أقل تقدير فهي لو كانت قد نشأت في عصرنا هذا وفي مجتمع متقدم حضاريا لكان لها شأن آخر وربما كانت أعظم امرأة في القرن العشرين).
وبغض النظر عن توجهاتها الفكرية فهي كانت امرأة تجدد بدون توقف ولو امتد بها العمر لربما غيرت أكثر في آراءها فأناس من هذا الطراز من العبقرية لا يقفون عند خرافة وشخص بل يحرقون في طريقهم كل الخرافات ويتجاوزون الأشخاص والمدارس ليقنصوا طرفا من الحقيقة بعد حين ويشقوا الطريق إلى منهج جديد ومدرسة مستحدثة.
كانت الأميرة (صوفي شارلتنبرغ) تحاور الفيلسوف الألماني (ليبنتز) وكانت تقول لم يشرح لي الفيلسوف كل شيء وسيكون الموت هو الذي سيجيبني على آخر معضلات الفلسفة. ومع سكرة الموت تشتد الرؤية فبصرك في ذاك اليوم حديد.




