شهدت مدن مغربية عدة خلال الأيام الأخيرة موجة احتجاجات غير مألوفة قادها شباب جيل “زد” مواليد 1996 ـ 2012
رافعين شعارات تضع قضايا الصحة والتعليم والتشغيل في قلب الأولويات
مقابل رفض ما وصفوه بتركيز الدولة على التحضيرات لكأس العالم 2030
هذه المظاهرات التي انطلقت من فضاءات التواصل الإجتماعي قبل أن تتحول إلى حراك ميداني
أربكت توقعات المتابعين سواء من حيث حجمها أو طبيعة مطالبها
لتعيد إلى الواجهة سؤال العلاقة بين الأجيال الصاعدة والسياسات العمومية
الاحتجاجات التي منعتها السلطات الأمنية في مدن مثل الرباط والدار البيضاء وطنجة وأكادير..
كشفت عن ملامح جيل جديد يصر على اختبار قوته في الشارع
رغم التوقيفات والتحقيقات التي طالت عدداً من المشاركين
رفع هؤلاء الشباب شعارات مباشرة لا نريد كأس العالم الصحة أولاً الشعب يريد إسقاط الفساد
وهي شعارات تلخص إدراكهم الحاد لمعادلة التنمية غير المتوازنة
حيث يُنظر إلى المشاريع الكبرى بوصفها تغطية على أعطاب التعليم العمومي والمستشفيات والبطالة المتفاقمة
الحكومة من جانبها ردت بتأكيد ما تعتبره إنجازات اجتماعية
إذ شدد رئيسها عزيز أخنوش في مقابلة حديثة على أن برنامج الدعم الاجتماعي المباشر يشمل 4 ملايين أسرة حوالي 12 مليون مواطن
إلى جانب توسيع مقاعد كليات الطب ودعم الأرامل وخلق ما يقارب 600 ألف منصب شغل
غير أن هذه الأرقام لم تنجح في تهدئة غضب الشباب الذين يربطون وعود الدولة بغياب أثر ملموس في حياتهم اليومية
ويعتبرون أن الفساد والغلاء يلتهمان ثمار هذه السياسات
المثير أن أصواتاً حقوقية وحزبية دخلت على خط الأحداث منتقدة ما وصفته بـ”المقاربة الأمنية” في مواجهة احتجاجات سلمية ذات طابع اجتماعي
قراءة هذا الحراك في بعده الأعمق تكشف أن جيل “زد” الذي تربى في زمن الشبكات الرقمية والوعي الفوري بالعالم
لا يتعامل مع السياسة من بوابة الأيديولوجيا بل من خلال مطلب العيش الكريم
إنه جيل وفق مراقبون يختبر في الشارع قدرته على التأثير بعد سنوات من الاكتفاء بالتعبير عبر الشاشات
وإذا كان منع الاحتجاجات قد حال دون اتساع رقعتها في المدى القريب
فإن استمرار التوترات الاقتصادية والاجتماعية قد يجعلها مقدمة لموجات أوسع
الخلاصة أن ما يميز هذا الحراك ليس فقط كونه صرخة اجتماعية
بل لأنه يمثل تحوّلاً في بنية الفعل الاحتجاجي بالمغرب من الحركات المؤدلجة إلى المبادرات الرقمية
ومن شعارات الإصلاح التدريجي إلى مطالب أكثر راديكالية تربط الشرعية بالمساءلة المباشرة
جيل “زد” هنا يعلن دخوله المجال العام بوسائله وأولوياته الخاصة
في معادلة قد تحدد ملامح العقد المقبل من السياسة المغربية