سياسةمجتمع
أخر الأخبار

قراءة تحليلية في الخطاب الملكي السامي أمام البرلمان

أبرز الخطاب الملكي ضرورة تشخيص حاجيات المواطنين انطلاقًا من معطيات ميدانية دقيقة، قابلة للمعالجة الرقمية والتحليل العلمي

ألقى جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، خطابًا ساميًا بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الجديدة، وهو خطاب حمل رسائل دقيقة موجهة بالأساس إلى المؤسسة البرلمانية، باعتبارها الإطار الدستوري الذي يمثل الأمة ويجسد نبضها التشريعي والرقابي.

خطاب مؤسساتي بامتياز

الخطاب الملكي لم يكن موجهًا مباشرة إلى عموم المواطنين، بل إلى نواب الأمة، وفقًا للطابع البروتوكولي الذي يميز هذه المناسبة السنوية.

إلا أن ذكاء الخطاب تجلى في توجيه الرسائل إلى المؤسسة التي يُفترض أن تعبر عن حاجيات المواطنين وتطرح أسئلتهم على الحكومة، بدل أن تتحول هذه المطالب إلى احتجاجات في الشارع.

دعوة إلى التأطير وتحمل المسؤولية

ركز جلالة الملك على أهمية الدور التأطيري للبرلمان إلى جانب الأحزاب السياسية، ووسائل الإعلام، والمجتمع المدني.

وهذه الإشارة – وإن بدت شكلية – تحمل في طياتها رسالة عميقة إلى من يهمه الأمر، مفادها أن تأطير الشباب والاستماع إلى المواطنين ينبغي أن يتم داخل الإطار المؤسساتي وليس خارجه.

وهي فكرة سبق أن طرحت في سياق النقاش حول الحراك الاجتماعي، حين طُرح السؤال حول غياب الوسائط السياسية الفاعلة.

تشخيص واقعي عبر أدوات علمية

أبرز الخطاب الملكي ضرورة تشخيص حاجيات المواطنين انطلاقًا من معطيات ميدانية دقيقة، قابلة للمعالجة الرقمية والتحليل العلمي.

وفي هذا الإطار، تبرز أهمية أدوات مثل استطلاعات الرأي والمجموعات البؤرية (Focus Groups) التي يمكن أن تشرف عليها السلطات المحلية بتنسيق مع الإطار الجهوي الشبابي، قصد بلورة مؤشرات حول الثقة في المؤسسات، وتوجهات التصويت، وانتظارات المواطنين.

هذه المقاربة الميدانية تمثل أحد أشكال “الموازنة الميدانية والمواطناتية” القائمة على الإصغاء والتنفيذ الملموس.

العدالة الترابية.. مفتاح الإنصاف الاجتماعي

عاد الخطاب لتأكيد إحدى الثوابت الملكية: العدالة الترابية.

فقد شدد جلالته على ضرورة تحقيق التوازن بين الجهات والمناطق، وهي دعوة متكررة منذ سنوات، كان من شأن الالتزام بها أن يجنّب البلاد الكثير من مظاهر الاحتقان الاجتماعي.

فالاختلالات المجالية تظل من الأسباب البنيوية لأي شعور بالغبن أو التهميش.

المجتمع القروي.. خزان الاستقرار

توقف الخطاب الملكي أيضًا عند أهمية النهوض بالعالم القروي، الذي يمثل ما يقارب نصف ساكنة المملكة.

وأشار إلى أن الاحتجاجات تبقى ظاهرة حضرية في جوهرها، وأن القرى المغربية لا تنخرط في هذا الشكل من التعبير، ما يبرز أن معالجة التفاوتات المجالية تمثل مدخلاً أساسال لتماسك الاجتماعي.

بين الانتقادات الشعبية والمسؤولية السياسية

ورغم الانتظارات الواسعة بخصوص إمكانية اتخاذ قرارات تنفيذية حاسمة، مثل إقالة الحكومة أو بعض أعضائها، فإن جلالة الملك اختار عدم الانجرار إلى قرارات آنية في سياق خاص وهام (تطورات قضية الصحراء، الاستحقاقات الدولية والاقتصادية الاستراتيجية الحالية المقبلة..)، خصوصًا بعد أن شهدت بعض التحركات مظاهر عنف غير مقبولة.

ومع ذلك، يبدو أن الحكومة الحالية، وخاصة رئيسها، دخلت مرحلة العدّ العكسي سياسيًا وشعبيًا، إذ باتت تواجه تحديات كبيرة قد تترجم لاحقًا في شكل تصويت عقابي أقوى من أي إجراء إداري.

انتظارات مقبلة

يُنتظر خلال المرحلة المقبلة أن تتم هناك إجراءات تعالج تفاقمات الأداء الحكومي بالإضافة إلى إمكانية تفعيل المجلس الاستشاري للشباب والمجتمع المدني، وإلى جانب تجديد مؤسسة مجلس الجالية والمؤسسة المحمدية للجالية، وهي مؤسسات يعلق عليها المغاربة في الداخل والخارج آمالًا كبيرة لتجديد دينامية التشاركية المواطِنة.

https://anbaaexpress.ma/gl3m4

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى