آراءمنوعات
أخر الأخبار

صدمة العمر

كانت حياتنا جد طبيعية، في ملكيتي أرض فلاحية ورثتها عن والدي، تزوجت و أنجبت أبناء أربعة، ذكرين و أنثيين، تابعوا دراستهم الابتدائية بمدرسة تبعد كيلومترات عن قريتنا، كانت الطريق جد وعرة، و خاصة في فصل الشتاء، عانوا معاناة كبيرة.

و رغم ذلك استطاعوا الحصول على الشهادة الابتدائية، و لم أتمكن من إلحاقهم كلهم بالإعدادي، لأن الإعدادية تبعد عن قريتنا بثلاثين كيلومترا، فكرت أن يتابع ولدي الذكرين فقط دراستهما، لوجود عمهما قريبا من هناك، أما ابنتي فكان مصيرهما المكوث في البيت مع والدتهما، يعيناها في المطبخ و الرعي و جني بعض الخضر، أما ابني فكلما حلت العطلة يلتحقن بالأرض للقيام بمتطلباتها، و يساعدنني في بعض المهام التي تنجزها ابنتي من رعي و حصاد.

كبر الأولاد و تزوجت بنتاي و التحقتا ببيت الزوجية، أما ولدي بعد أن أتما دراستهما الثانوية و حصولهما على شهادة الباكلوريا، و أمام قلة ذات اليد بقيا يعيشان معي، اشتريت شاحنة لأحدهما و محراثا للثاني يشتغلان عليهما، و كنا سعداء بما نحن فيه.

ذات يوم، و أنا في السوق الأسبوعي، التقيت ابن عمي الذي أخبرني بأنه بصدد تهجير ولديه، واحد منهما نحو الديار الأوربية و الثاني نحو دولة عربية، و أقنعني بالفكرة، و أخبرني عن الوسيط، و أن سيدة ذات مركز رفيع لها نفوذ هي من ستتولى المهمة مقابل مبالغ مالية محددة.

طرحت الفكرة مع ولدي فقبلا بها، و بدأنا في عملية التنفيذ، بعنا الشاحنة و الجرار و اتصلنا بالوسيط، و التقينا بالسيدة و أخبرتنا بتفاصيل كل شيء، سلمتها المبالغ المطلوبة، و سافر ولدي كل واحد قصد وجهته، و لكن وقع ما لم يكن في الحسبان.

لما وصل ابني لدولة قطر أصبح مسجونا في شقة، مخافة أن يتم إلقاء القبض عليه لعدم توفره على بطاقة عمل و لا إقامة و لا كفيل، استمر على ذلك الحال لمدة سنة، كل الوعود تبخرت، لا عقدة عمل و لا سكن قار، إنما هي مصاريف زائدة على المتفق عليه، فكانت النهاية عودة للوطن بخفي حنين.

أما ابني الثاني، بدوره وجد نفسه في بلد لا معارف له فيه، و لا لغة يستطيع التواصل بها مع الآخرين، و لا معين، أوصلوه إلى هناك فعاش حالة التشرد، و كانت النهاية رجوع للوطن، و اشتدّت أزمتهما النفسية، وخاصة بعد عودتهما لم يجدا عملا سوى العمل في الأرض الفلاحية التي أملكها، و لم يعد لي مال سوى الحسرة و الضياع.

فقررت أنا وولدي رفع دعوى ضد الجانية و الوسيط، فوجدت عدة شكايات وضعت من أغيار، فتم اعتقالهما، و دخل على الخط زوجها الذي حاول الاتصال بالمشتكين لحل المشكل، فوفر لهم المبالغ المالية، و قاموا بإنجاز تنازلات لفائدة المشتكى بهما، و تم الإفراج عنهما، و غادرت الجانية المغرب رفقة زوجها و أولادها حيث يقيم بالديار الأوربية، تاركة جروحا و آلاما لن تنسيها الأعوام للمتضررين.

https://anbaaexpress.ma/0nmxe

شكيب مصبير

كاتب وفنان تشكيلي مغربي

تعليق واحد

  1. قصة جميلة وحزينة في نفس الوقت اتمنى ان تكون جروح الشابين قد التأمت وتابعا مسيرتها في العمل مع الوالد والله المستعان.
    شكرا على القصة استاذ شكيب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى