في تطور أعاد أجواء الحرب الباردة إلى الواجهة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن استئناف التجارب النووية الأمريكية، في خطوة فُهمت على نطاق واسع بوصفها ردًّا مباشراً على التصعيد الروسي الأخير في مجال التسلح النووي.
وجاء القرار بعد ساعات فقط من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن نجاح تجربة الطوربيد النووي “بوسايدون”، الذي وصفه بأنه “أقوى سلاح تملكه روسيا وأكثرها تفوقاً تكنولوجياً”، مؤكداً أن قدرته التدميرية ومداه يتجاوزان أي سلاح موجود حالياً.
ترامب، الذي نشر بياناً مقتضباً على وسائل التواصل الاجتماعي، قال إنه وجّه وزارة الدفاع إلى “إطلاق برنامج اختبارات نووية موازٍ لتلك التي تقوم بها دول أخرى”، دون أن يوضح ما إذا كان القرار يشمل تفجيراً نووياً فعلياً أو اختبارات محاكاة تقنية.
الإعلان جاء قبل لقائه المرتقب بالرئيس الصيني شي جين بينغ في كوريا الجنوبية، في إشارة إلى أن واشنطن تسعى إلى إرسال رسائل ردع مزدوجة لكلٍّ من موسكو وبكين.
وبحسب تقارير سي إن إن، فإن الخطوة الأمريكية تزامنت مع تصاعد التوتر بين القوتين النوويتين قبيل انتهاء معاهدة “ستارت الجديدة” عام 2026، ما يعزز المخاوف من انهيار آخر جدار قانوني يضبط سباق التسلح العالمي.
ويرى محللون أن الكرملين يستخدم سلسلة من التجارب النووية – مثل “بوريفيستنيك” و”سارمات” و”بوسايدون” – كأدوات ضغط سياسية للالتفاف على العقوبات الغربية، في حين تسعى واشنطن لإثبات أن ميزان الردع لا يزال في صالحها.
القرار الأمريكي لم يكن مجرد استعراض قوة، بل رسالة استراتيجية مفادها أن أي تفوق روسي محتمل لن يمر دون رد. إلا أن محللين يحذرون من أن استئناف التجارب النووية سيقوّض عقوداً من الجهود الدولية للحد من الانتشار النووي، ويفتح الباب أمام مرحلة “ردع بالفوضى” تذكّر بعقيدة “التدمير المتبادل المؤكد” التي حكمت العلاقات الأمريكية الروسية في القرن الماضي.
ويرى خبراء أن التلويح بالقوة النووية يعكس حالة انزلاق النظام الدولي إلى منطق القوة العارية، بعد انهيار منظومة الضوابط الدبلوماسية التي كانت تضبط التوازن بين القوى الكبرى.
وفي ظل الحرب الأوكرانية المستمرة، وتزايد التوتر في بحر الصين الجنوبي والشرق الأوسط، يبدو أن العالم يقف اليوم على أعتاب سباق تسلح جديد، لا يحكمه العقل السياسي بقدر ما تحركه غرائز الهيمنة والخوف.
تحذيرات المراقبين من “عودة شبح الفناء النووي” تعكس خشية متزايدة من أن يتحول الصراع التكنولوجي والعسكري بين واشنطن وموسكو إلى مواجهة مفتوحة، خصوصاً مع دخول أسلحة غير تقليدية، مثل الطوربيدات النووية والصواريخ ذات المدى غير المحدود إلى ميدان المنافسة.
وإذا لم تُستأنف الدبلوماسية النووية قريباً، فإن العالم قد يكون على موعد مع حقبة جديدة عنوانها.. الردع بلا عقل، والتوازن على حافة الهاوية.




