بدر شاشا
تُعدّ المناطق النائية في المغرب مرآةً صادقة لوجه الوطن الخفي، حيث تمتد الجبال الشامخة والسهول الهادئة والقرى التي لا تزال تقاوم العزلة بصبرٍ وأمل.
لعقودٍ من الزمن، ظلت هذه المناطق على هامش التنمية، تئن تحت وطأة ضعف البنيات التحتية وغياب الخدمات الأساسية وقلّة الفرص الاقتصادية.
غير أن المغرب اليوم يسعى بخطى واثقة إلى ربط هذه المناطق بالعالم، وإخراجها من عزلتها لتصبح فاعلة ومنتجة ومندمجة في مسار التنمية الوطنية الشاملة.
تبدأ النهضة من الطريق، فالطريق ليست مجرد إسفلتٍ يُفرش، بل شريان حياةٍ يُعيد النبض إلى القرى والجبال.
إنّ تعميم مشاريع فكّ العزلة وبناء الطرق والمسالك الجبلية وربط القرى بشبكات الكهرباء والماء والإنترنت، يمثل فتحًا حقيقيًا نحو الكرامة والاندماج.
حين يصل النور إلى بيتٍ في أعالي الأطلس، وحين تتمكّن طفلة من الوصول إلى مدرستها دون مشقة، تكون التنمية قد بدأت فعلاً.
ولكي تصبح المناطق النائية منتجة، لا بد من استثمار مواردها الطبيعية والبشرية. الجبال غنية بالأعشاب الطبية والعسل الطبيعي، والسهول بالزراعة والرعي، والصحارى بالسياحة البيئية والطاقة الشمسية.
إن تشجيع الاقتصاد التضامني والاجتماعي، ودعم التعاونيات النسائية والشبابية، وتكوين المقاولات الصغيرة، هي مفاتيح لتحويل القرى من فضاءات استهلاك إلى مراكز إنتاجٍ مستدام. فبدل أن تكون الهجرة نحو المدن حلمًا، يصبح البقاء في القرية خيارًا مشرفًا ومثمرًا.
ولا يمكن الحديث عن تنمية حقيقية دون تعليم. التعليم في المناطق النائية ليس مجرد حق، بل هو رافعة التغيير وبوابة المستقبل.
حين تُفتح المدارس الجماعاتية، ويُوفَّر النقل المدرسي، وتُعزَّز البنية الرقمية، يصبح الأمل ممكناً. فالتلميذ الذي يتعلم اليوم في قرية جبلية قد يصبح غداً مهندساً أو مقاولاً يعود لبناء منطقته.
العدالة المجالية بدورها هي جوهر أي مشروع وطني منصف. فلا تنمية بدون توزيع عادل للفرص والموارد. يجب أن تُدرج المناطق النائية في صلب التخطيط الوطني، وأن تُمنح الجماعات المحلية الإمكانيات والصلاحيات لتدبير شؤونها بكفاءة.
كما أن تمكين المرأة القروية وتكوين الشباب في المهن المحلية يعزز روح المبادرة والاعتماد على الذات ويخلق دينامية اقتصادية واجتماعية متجددة.
أما التحول الرقمي، فهو اليوم لغة العصر وجسر المستقبل. إدماج التقنيات الحديثة في الفلاحة والتعليم والإدارة القروية يجعل من القرى فضاءاتٍ ذكية قادرة على المنافسة والابتكار.
عبر الإنترنت يمكن تسويق المنتجات المحلية، وتبادل الخبرات، وفتح نوافذ العالم أمام أبناء القرى.
المناطق النائية ليست هامشًا منسيًا، بل قلبٌ نابض للوطن يحمل في عمقه طاقةً لا تُقدّر بثمن. إذا ما تم الاستثمار فيها بالعقل والحكمة، ستتحول من عبءٍ إلى رافعة، ومن عزلةٍ إلى إشعاع، ومن أطرافٍ صامتة إلى قلبٍ منتج يضخّ الحياة في جسد الوطن بأكمله.




