في سياق التحولات الأمنية المتسارعة التي تشهدها المنطقة، يواصل المغرب مسار تحديث ترسانته العسكرية بخطى واثقة، حيث أبدت القوات المسلحة الملكية اهتمامًا بارزًا بمنظومة الاستخبارات والمراقبة المتطورة HADES (اختصارًا لـ High-Altitude Extended-Range Detection and Surveillance)، وفق ما كشفت عنه مجلة Aviation Week & Space Technology المتخصصة في الشؤون الدفاعية.
ويأتي هذا التوجه في إطار رؤية استراتيجية شاملة تهدف إلى رفع جاهزية القوات المسلحة المغربية وتعزيز قدراتها في مجالات الدفاع السيبراني والاستخبارات الجوية والرقابة التقنية، بما يتماشى مع التحولات العالمية في مفهوم الردع الذكي القائم على التفوق المعلوماتي لا العددي.
المنظومة HADES تمثل أحد أحدث مشاريع التطوير العسكري الأمريكية في مجال الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع (ISR). وتُبنى على طائرات بعيدة المدى من طراز Bombardier Global 6500، مزودة بتجهيزات استشعار متقدمة قادرة على التحليق في طبقات جوية مرتفعة جداً ولفترات طويلة، ما يمنحها قدرة فريدة على جمع البيانات وتحليلها في بيئات معقدة يصعب اختراقها بالوسائل التقليدية.
وتتيح هذه المنصة تنفيذ مهام متعددة في الوقت نفسه، مثل مراقبة الصور عالية الدقة، والتنصت الإلكتروني على الإشارات والاتصالات، وتحليل أنماط الرادارات، ما يمنح الدولة المالكة لها تفوقًا استخباراتيًا يمكنه تغيير موازين القوة في المجالين الجوي والإلكتروني.
وتُظهر الخطوة المغربية رغبة واضحة في الارتقاء من مستوى “الاستخبار التكتيكي” إلى “الاستخبار الاستراتيجي”، أي الانتقال من مراقبة آنية للميدان إلى قدرة تحليل استباقي تمكن من استشراف التهديدات قبل وقوعها. وهو توجه ينسجم مع سياسة المملكة في حماية عمقها الاستراتيجي الممتد من الصحراء المغربية إلى السواحل الأطلسية، ومع دورها الإقليمي كقوة استقرار في شمال إفريقيا وغربها.
ويرى مراقبون عسكريون أن اقتناء مثل هذه المنظومات المتقدمة لن يكون مجرد تحديث تقني، بل يمثل تحولًا في فلسفة الدفاع المغربي القائمة على بناء “عين استخباراتية عليا” قادرة على تغطية الفضاء الجوي والبحري والحدودي بفعالية غير مسبوقة، مما يعزز مناعة القرار السيادي ضد أي مفاجآت ميدانية أو إقليمية.
كما أن إدماج برنامج HADES ضمن المنظومة العسكرية المغربية سيمنح المملكة استقلالية أكبر في جمع وتحليل المعلومات، دون الاعتماد على مصادر أجنبية، وهو ما يرسخ مفهوم “السيادة المعلوماتية” الذي أصبح اليوم أحد ركائز الأمن القومي في العصر الرقمي.
وبحسب التقديرات الأولية، فإن المغرب، في حال حصوله على هذه المنصة، سيكون أول بلد إفريقي يمتلك قدرات استخبارات جوية بهذا المستوى، ما يضعه ضمن نخبة محدودة من الدول القادرة على الجمع بين الاستطلاع الإلكتروني والمراقبة البصرية الفائقة الدقة.
إن الاهتمام المغربي بمنظومة HADES ليس مجرد صفقة تسليح، بل هو إعلان عن تحول استراتيجي نحو نموذج جديد من الردع يقوم على المعلومة قبل القوة، في زمن أصبحت فيه السيطرة على البيانات والمجال الإلكتروني شرطًا أساسيًا لأي تفوق عسكري أو استخباراتي مستقبلي.




