أفريقياإقتصاد
أخر الأخبار

المخطط الوطني للساحل في المغرب.. رؤية إستراتيجية لحماية الثروة البحرية والتنمية المستدامة

نحو رؤية ساحلية جديدة للمغرب

بدر شاشا

يعد المخطط الوطني للساحل في المغرب واحداً من أهم البرامج البيئية والتنموية التي تسعى الدولة من خلالها إلى تحقيق توازن دقيق بين حماية المجال البحري والساحلي، وبين استغلاله في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

فالمغرب، باعتباره بلداً يملك أكثر من 3500 كيلومتر من السواحل الممتدة على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، يدرك تماماً أن البحر ليس مجرد فضاء طبيعي، بل هو ثروة استراتيجية ومجال حيوي يختزن إمكانيات اقتصادية هائلة وفرصاً مستقبلية ضخمة.

رؤية وطنية لحماية المجال الساحلي

جاء المخطط الوطني للساحل كإطار توجيهي يحدد التوجهات الكبرى لتدبير المناطق الساحلية، في انسجام مع مقتضيات القانون 81.12 المتعلق بالساحل، ومع المبادئ التي نص عليها الدستور المغربي لسنة 2011 في ما يتعلق بالحق في بيئة سليمة والتنمية المستدامة.

يهدف هذا المخطط إلى ضمان استعمال عقلاني ومستدام للساحل، من خلال توجيه المشاريع التنموية والاستثمارات السياحية والصناعية بطريقة تراعي التوازن البيئي، وتحافظ على الموارد الطبيعية، وتحد من التدهور الذي تشهده العديد من المناطق الساحلية بسبب التوسع العمراني العشوائي والتلوث الصناعي والبحري.

بين التنمية والحماية

الساحل المغربي اليوم يعيش مفارقة واضحة: فهو من جهة يشهد نموّاً عمرانياً وسياحياً وصناعياً سريعاً، ومن جهة أخرى يعاني من ضغط بيئي كبير نتيجة ضعف الحكامة والتدبير.

وهنا جاء المخطط الوطني للساحل ليكون بمثابة “خارطة طريق” لضبط هذه العلاقة الحساسة بين التنمية والحماية.

فهو يحدد المجالات التي يمكن أن تحتضن المشاريع الاقتصادية، وتلك التي يجب أن تبقى محمية بيئياً، كما يعمل على تنظيم استعمالات الشاطئ (الصيد، السياحة، النقل، الموانئ، الصناعة..) وفق مبادئ التناسق والتكامل.

رهانات بيئية وتنموية كبرى

من بين أبرز رهانات هذا المخطط نجد:

مكافحة التآكل الساحلي الذي يهدد العديد من المناطق الشاطئية، خاصة في مدن مثل الرباط، الدار البيضاء، أصيلة والصويرة.

حماية التنوع البيولوجي البحري من خلال إقامة محميات طبيعية بحرية وتشجيع البحث العلمي في علوم البحار.

تحسين جودة المياه الساحلية عبر مراقبة النفايات الصناعية والمياه العادمة.

تأهيل المناطق الساحلية الحضريةلتصبح فضاءات عيش مستدامة ومندمجة مع محيطها الطبيعي.

تطوير الاقتصاد الأزرق، أي الاقتصاد القائم على استغلال الموارد البحرية بشكل مستدام في مجالات الصيد، السياحة، الطاقات المتجددة، والنقل البحري.

مقاربة تشاركية

ما يميز المخطط الوطني للساحل هو اعتماده على مقاربة تشاركية بين الدولة والجماعات الترابية والمجتمع المدني والقطاع الخاص.

فالساحل ليس مسؤولية وزارة البيئة وحدها، بل هو مجال تتقاطع فيه اختصاصات قطاعات متعددة: التجهيز، الصيد البحري، السياحة، الداخلية، والماء.

كما أن إشراك الفاعلين المحليين والمجتمع المدني ضروري لتتبع تنفيذ المخطط وتقييم أثره على الميدان، وضمان العدالة المجالية بين الجهات الساحلية.

تحديات التنفيذ

رغم الطابع الطموح لهذا المخطط، إلا أن التحديات تبقى قائمة. فالتداخل المؤسساتي، وضعف التنسيق بين القطاعات، وقلة الموارد المالية، تشكل عوائق أمام تنزيل فعلي وسريع لأهدافه.

كما أن التغيرات المناخية، وما تسببه من ارتفاع مستوى البحر وتآكل الشواطئ، تفرض تحديثاً مستمراً للمعطيات والتدابير الوقائية، مما يجعل من التخطيط الساحلي عملية ديناميكية تحتاج إلى مرونة واستشراف مستقبلي.

نحو رؤية ساحلية جديدة للمغرب

المخطط الوطني للساحل ليس مجرد وثيقة تقنية، بل هو رؤية وطنية شاملة تتطلع إلى جعل السواحل المغربية نموذجاً في التوازن بين الإنسان والطبيعة.

فالمطلوب اليوم هو أن تتحول هذه الرؤية إلى واقع ملموس عبر قرارات جريئة، واستثمارات مسؤولة، وتعاون مؤسساتي فعّال.

فالساحل المغربي يمكن أن يكون قاطرة حقيقية للتنميةإذا تمت حمايته وتدبيره بحكمة، كما يمكن أن يصبح عبئاً بيئياً واقتصادياً إذا استمرّ استنزافه العشوائي.

يبقى المخطط الوطني للساحل خطوة استراتيجية نحو مغرب بحري متوازن، يزاوج بين التنمية والبيئة، بين الطموح الاقتصادي والحس الإيكولوجي، وبين الإنسان والطبيعة. إنه مشروع المستقبل الذي سيحدد علاقة المغاربة ببحرهم لعقود قادمة.

https://anbaaexpress.ma/sghpa

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى