أفريقياتقاريرسياسة
أخر الأخبار

الرهان الدفاعي المغربي 2026.. نحو صناعة سيادية تعيد تعريف القوة الإقليمية

يمثل الاستثمار في الدفاع جزءاً من مشروع نهضوي شامل يربط الأمن بالتنمية، حيث يُتوقع أن تسهم الصناعات الدفاعية في خلق آلاف مناصب الشغل للكفاءات المغربية، وتطوير خبرات وطنية في مجالات الطيران، الإلكترونيات، والذكاء الصناعي..

تظهر ميزانية الدفاع المغربية الجديدة لعام 2026، التي بلغت 157 مليار درهم (15.7 مليار دولار) بزيادة قدرها 18 في المئة عن العام السابق، انتقال المغرب من مرحلة تحديث جيشه إلى مرحلة بناء منظومة دفاعية متكاملة تتجاوز المفهوم التقليدي للتسلح نحو رؤية أعمق تمزج بين الأمن والاقتصاد والصناعة.

فالمملكة لم تعد تنظر إلى الدفاع كعبء مالي أو بند أمني صرف، بل كأداة لصياغة مستقبلها السيادي وتعزيز موقعها في الخارطة الجيوسياسية الإقليمية والدولية.

هذه الزيادة اللافتة في الإنفاق ليست مجرد استجابة لتوترات إقليمية متصاعدة، بل تعبير عن وعي استراتيجي بأن القوة الصناعية والتكنولوجية هي جوهر الردع الحديث.

فبعد نجاحها في ترسيخ مكانتها كمنصة لتصنيع السيارات والطائرات، تتجه الرباط إلى توطين الصناعة العسكرية لتصبح ركيزة من ركائز التحول نحو اقتصاد المعرفة ومجتمع الأمن الذاتي.

منذ إقرار القانون المنظم لصناعة الأسلحة والذخائر سنة 2020، انخرط المغرب في بناء بيئة صناعية دفاعية متقدمة، من خلال إنشاء مناطق مخصصة لتصنيع المعدات العسكرية وجذب الاستثمارات الأجنبية عالية التقنية، وتطوير منظومات إنتاج الطائرات المسيرة وأنظمة التسليح الحديثة.

هذا التوجه الاستراتيجي لا يهدف فقط إلى تقوية القدرات القتالية للقوات المسلحة الملكية، بل إلى خلق دورة اقتصادية جديدة تقوم على الابتكار والتشغيل ونقل التكنولوجيا.

وقد تجسد هذا المسار عبر مشاريع عملية مثل مصنع المركبات القتالية المدرعة في برشيد بشراكة مع المجموعة الهندية “تاتا أدفانسد سيستمز ليمتد”، واتفاقيات التعاون مع تركيا في مجال المُسيّرات، إلى جانب تطوير برامج صيانة وتحديث المقاتلات من طراز “إف-16” وطائرات النقل “سي-130”، بما يرسخ استقلال القرار العسكري للمملكة ويحد من تبعيتها للخارج.

وتظهر هذه الخطوات بوضوح أن المغرب يسعى لتوطيد موقعه كقوة إقليمية متوازنة، تجمع بين الانفتاح على الشركاء الدوليين والاستقلالية الاستراتيجية في إدارة منظومته الدفاعية.

فالتوجه نحو تنويع مصادر التسليح يعكس إرادة سياسية لتجنب الارتهان لأي محور جيوسياسي، ويمنح البلاد مرونة في التعاطي مع تحولات البيئة الإقليمية التي تتسم بعدم الاستقرار.

ومن زاوية أعمق، يمثل الاستثمار في الدفاع جزءاً من مشروع نهضوي شامل يربط الأمن بالتنمية، حيث يُتوقع أن تسهم الصناعات الدفاعية في خلق آلاف مناصب الشغل للكفاءات المغربية، وتطوير خبرات وطنية في مجالات الطيران، الإلكترونيات، والذكاء الصناعي.

في نهاية المطاف، يمكن القول إن ميزانية الدفاع المغربية الجديدة لا تُقاس بحجمها المالي فقط، بل بما تحمله من دلالات سياسية واستراتيجية حول طبيعة الدولة المغربية الحديثة، التي تسعى لتشييد قوتها من الداخل، وتجعل من الدفاع ليس وسيلة للحماية فحسب، بل أداة لبناء المستقبل وترسيخ السيادة في زمن تتحدد فيه مكانة الدول بقدرتها على تصنيع أمنها.

https://anbaaexpress.ma/xrr11

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى