الدكتور خالد خالص
على المستوى العالمي، يتميز الجيل Z – Generation Z (المولود بين أواخر تسعينيات القرن الماضي وبداية العقد الثاني من الألفية) بارتباطه العميق بالرقمنة، وبوعيه المتزايد بالقضايا الاجتماعية والبيئية والسياسية، وبنزوعه القوي نحو العدالة والشفافية.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وآسيا، يوصف هذا الجيل بـ “الجيل الناشط”، لأنه لا يتردد في التعبير عن مواقفه عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو في الفضاء العام دفاعاً عن قيمه.
أما في المغرب، فقد بات يطلق على هذه الفئة تسمية “الجيل Z– 212“، في إشارة إلى الرمز الهاتفي الوطني، لوصف شباب ينخرط في الحركة العالمية، لكنه يعبر في الآن نفسه عن مطالب متجذرة في السياق السوسيو-سياسي الوطني.
وعلى عكس الأجيال السابقة التي كانت لا تزال تؤمن بوعود دولة الرعاية أو بآفاق الهجرة، فإن الجيل المغربي الجديد يستعيد نفس المطالب ولكنه يصوغها بحدة أكبر، تغذيها حالة من السخط الجماعي تجاه حوكمة تُوصَف بالغامضة والصمّاء أمام نداء المغاربة منذ سنوات.
هذا الجيل يطالب قبل كل شيء بنظام صحي كريم، في وقت تعاني فيه المستشفيات العمومية من خصاص فادح، بينما تظل العلاجات الخاصة بعيدة المنال عن الغالبية.
كما ينادي بتعليم عمومي عصري متقدم وعادل يضع حداً لثنائية التعليم العمومي / الخصوصي التي تعمّق الفوارق الاجتماعية.
ويطالب بمحاربة حقيقية للفساد الذي ينخر الإدارة والصفقات العمومية، وبقضاء مستقل وفعّال بعدما فقد المواطنون الثقة في مؤسساته بسبب البطء والتدخلات التي تنال من مصداقيته.
وهذه المطالب ليست نزوات شبابية، بل حقوق أساسية كرّسها دستور 2011 والعهود والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.
لكن السخط يتجاوز المطالب القطاعية المذكورة. فالمشكل يتفاقم مع ممارسات سياسية ومؤسساتية تقوض الثقة في الدولة، من قبيل فضائح استغلال النفوذ التي يلاحق صداها رئيس الحكومة وبعض وزرائه، وتضارب المصالح في أعلى هرم السلطة التنفيذية، وتشريعات رديئة وخطيرة تتعارض مع الدستور والمواثيق الدولية، وقوانين تحمي الفساد والفاسدين على حساب المصلحة العامة.
كما أن الصحافة في غالبيتها خاضعة للرواية الرسمية، بينما الأصوات الحرة القليلة من صحفيين وفاعلين جمعويين يُحاكَمون بتهم التشهير.
وزاد الوضع قتامة مع تهميش رؤساء المؤسسات الدستورية المنتقدين للسياسات الحكومية، وغياب شبه كامل لصوت الأحزاب السياسية عن الساحة العامة منذ سنوات إلا ممن رحم ربك.
وكل ذلك يحدث في وقت تُنفق فيه مليارات الدولارات على الملاعب والبنيات التحتية استعداداً لتنظيم مجرد جزء من مونديال 2030، بينما تُترك الأولويات الوطنية في الصحة والتعليم والعدالة بلا التفات.
ولم يفعل الشباب حين خرجوا إلى الشارع وعبروا عن آرائهم على شبكات التواصل سوى ممارسة حق مشروع يكفله الدستور: حرية التعبير.
غير أن رد الدولة كان غير متوازن: تجاهل مطبق في البداية، ثم تخويف، عنف بوليسي، اعتقالات تعسفية، ومحاكمات لمتظاهرين سلميين.
هذا القمع غير المحسوب أدى إلى راديكالية في الحركة، حيث دخل مخربون على الخط بعد اليوم الرابع، فأُحرقت سيارات شرطة ومراكز تجارية وصيدلية، وتم نهب بعض المحلات.
وهي أفعال مدانة، لكنها تكشف عن غضب اجتماعي متراكم وقطيعة خطيرة في الثقة.
لم يطفئ القمع جذوة الاحتجاج، بل ولد ردود فعل أكثر عنفاً من شغب وحرائق وأعمال تخريب. هذه السلوكيات تبقى مدانة وبصفة مطلقة، لكنها أعراض لازدراء مؤسساتي متجذر ولفجوة متزايدة بين المواطنين ومؤسساتهم.
وإذا كانت أعمال العنف غير مقبولة، فإن المسؤولية الأولى تبقى على عاتق الحكومة التي تجاهلت واستهانت بالمطالب المشروعة، وأصرّت على الحكم بلا حوار ولا رؤية.
هذا الإنكار المتكرر والمتكبر هو الذي فتح الباب أمام تصعيد العنف الذي صارمن الضروري إدانة جميع أشكاله، سواء صدرت من قوات الأمن أو من المتظاهرين، ولكن الأهم هو أن يستيقظ الوعي الوطني.
فلا يمكن لزيارة وزير لبعض المستشفيات ولا إصدار بلاغ مقتضب للحكومة أن يعيد بناء الثقة في الدولة والقانون.
المطلوب هو الاستماع إلى الجيل Z وإلى جميع الأجيال، وترجمة مطالبهم إلى إصلاحات بنيوية من أجل المصلحة العليا للوطن، لأن المغرب لا يمكن أن يتقدم وهو يضاعف من تشظياته الاجتماعية والسياسية.
ولقد دق الملك محمد السادس ناقوس الخطر في خطابه الأخير حين تحدث عن “مغرب يسير بسرعتين”، لكن لا أحد التفت إلى هذه الإشارة العميقة.
* محامٍ بهيئة الرباط