أفريقياتقاريرسياسة
أخر الأخبار

الأسد الأطلسي في قلب المتوسط.. تمرين مغربي أمريكي يعزز الجاهزية البرمائية ويؤكد الشراكة الإستراتيجية

.. يجمع مراقبون على أن استمرار مثل هذه المناورات، سواء ضمن تمرين “الأسد الإفريقي” أو في صيغ محلية كتمرين الحسيمة، يعكس وعياً مغربياً متقدماً بأهمية التدريب المشترك كأداة للجاهزية الدائمة، خصوصاً في ظل المتغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة المتوسطية...

في مشهد يعكس عمق التعاون العسكري بين الرباط وواشنطن، اختتمت القوات المسلحة الملكية المغربية والقوات البحرية الأمريكية تمريناً برمائياً مشتركاً بمدينة الحسيمة، شمال المملكة، استمر أسبوعين كاملين، في إطار المسار التصاعدي الذي تعرفه الشراكة الدفاعية بين البلدين خلال السنوات الأخيرة.

التمرين، الذي انطلق في السادس من أكتوبر الجاري، جمع بين عناصر من الفوج الأول لمشاة البحرية الملكية المغربية ووحدة “فاستور” (FASTOR) التابعة لقوات المارينز الأمريكية، حيث توزعت مراحل التدريب بين منطقتي بني حريزة وكالا إيريس، في بيئة طبيعية تجمع بين التضاريس الساحلية والجبلية، بما يجعلها نموذجاً واقعياً لاختبار القدرات الميدانية والتكتيكية.

ووفق بلاغ القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية، فإن هذا النشاط العسكري المكثف يهدف إلى تطوير مهارات التخطيط والتنفيذ للعمليات البرمائية، وتعزيز القدرات الدفاعية والهجومية في مواجهة سيناريوهات ميدانية معقدة، تشمل الدفاع الساحلي، ومنع الإنزال البحري، والقتال في المناطق الحضرية والمغلقة.

ويُنتظر أن يساهم هذا التمرين في رفع مستوى التنسيق بين القوات المغربية والأمريكية، من خلال تبادل الخبرات الميدانية والتقنيات الحديثة في مجالات التدخل السريع والعمل المشترك.

هذا التعاون العسكري لا يأتي من فراغ، بل يستند إلى اتفاقية التعاون الدفاعي الممتدة لعشر سنوات، والموقعة في الثاني من أكتوبر 2020 خلال زيارة وزير الدفاع الأمريكي الأسبق مارك إسبر إلى الرباط.

وقد أرست هذه الاتفاقية إطاراً إستراتيجياً جديداً للعلاقات الدفاعية بين البلدين، يشمل مجالات التدريب، والتجهيز، وتبادل المعلومات العسكرية، ودعم القدرات الصناعية الدفاعية المغربية في أفق تعزيز الاستقلالية الإستراتيجية للمملكة.

وتشكل مثل هذه التمارين المشتركة امتداداً لمنظومة التعاون الأمني الأوسع بين الرباط وواشنطن، والتي تشمل أيضاً مكافحة الإرهاب، وتعزيز قدرات المراقبة البحرية، وتأمين طرق الملاحة في المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط.

ويؤكد محللون عسكريون أن المغرب أضحى اليوم شريكاً محورياً في الإستراتيجية الأمريكية بمنطقة شمال إفريقيا، نظراً لموقعه الجيوستراتيجي وقدراته المتنامية في إدارة التحديات الأمنية الإقليمية.

من زاوية تحليلية، يعكس هذا التمرين البعد العملي لما يمكن تسميته بـ”التناغم العملياتي الأطلسي”، الذي تتجه إليه الشراكة المغربية الأمريكية، حيث لم تعد العلاقات العسكرية مقتصرة على صفقات التسليح أو التكوين الأكاديمي، بل أصبحت تقوم على بناء الثقة الميدانية والجاهزية المشتركة لمواجهة الأخطار الجديدة، من الإرهاب العابر للحدود إلى التهديدات السيبرانية والهجينة.

ويأتي اختيار الحسيمة، الواقعة على ضفاف المتوسط، كمسرح لهذه التدريبات، ليحمل بعداً رمزياً واستراتيجياً في آنٍ واحد، فهي تمثل بوابة المغرب على فضاء أورو-متوسطي مضطرب، حيث تتقاطع المصالح الدولية وتتشابك التحديات الأمنية، من الهجرة غير النظامية إلى التهريب وتزايد النفوذ العسكري لبعض القوى المنافسة في الضفة الشمالية والجنوبية على السواء.

بهذا المعنى، فإن التمرين البرمائي ليس مجرد نشاط عسكري دوري، بل رسالة واضحة إلى أن المغرب يعمل على توطيد مكانته كقوة إقليمية منفتحة على التعاون الدولي، دون التفريط في سيادته أو استقلالية قراره الدفاعي، في وقت تتجه فيه المنطقة نحو إعادة تشكيل توازناتها الإستراتيجية.

ويجمع مراقبون على أن استمرار مثل هذه المناورات، سواء ضمن تمرين “الأسد الإفريقي” أو في صيغ محلية كتمرين الحسيمة، يعكس وعياً مغربياً متقدماً بأهمية التدريب المشترك كأداة للجاهزية الدائمة، خصوصاً في ظل المتغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة المتوسطية.

إن الشراكة المغربية الأمريكية، بما تحمله من بعد دفاعي وأمني، تجاوزت مرحلة “التعاون التكتيكي” لتصبح ركيزة في منظومة الردع الإقليمي وحماية الاستقرار، وهو ما يجعل من تمرين الحسيمة البرمائي تجسيداً حقيقياً لتحول نوعي في فلسفة الدفاع المغربي، التي تمزج بين الواقعية العملياتية والانفتاح الإستراتيجي على الحلفاء.

https://anbaaexpress.ma/j7d9u

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى