ما يشهده المغرب في هذه الأيام من احتجاجات يقودها جيل شاب أُطلق عليه اسم جيل زد 212، ليس وليد الصدفة ولا مجرد انفجار لحظي، بل هو نتيجة تراكمات اجتماعية واقتصادية وسياسية بدأت شرارتها منذ زلزال الحوز وما خلّفه من ضحايا، مروراً بـ مسيرة بوكماس التي أبانت عن الغضب الشعبي المتزايد تجاه غلاء المعيشة وتردّي الخدمات العمومية.
هذه الاحتجاجات حملت في طياتها مطالب مشروعة ترتبط بالحق في التعليم الجيد، الصحة، الشغل، العدالة الاجتماعية، والكرامة.
غير أن ما يثير القلق اليوم هو انزلاقها في بعض المناطق نحو العنف والفوضى، وهو ما يهدد بتحويلها من فرصة لإصلاح حقيقي إلى خطر على استقرار الوطن.
أيادٍ خفية وتأجيج مقصود
لا يمكن إنكار أن هناك أطرافاً خفية داخلياً وخارجياً استغلت هذا الحراك لتأجيج الوضع ومحاولة تحويل المطالب العادلة إلى وقود للفوضى والتخريب.
هذا يطرح تساؤلات جدية حول الأهداف التي تتجاوز حدود العدالة الاجتماعية لتلامس رهانات سياسية وإيديولوجية لا تخدم الشعب المغربي ولا مستقبله.
مسؤولية الحكومة والريع الذي يغذي الغضب
لكن، لا يمكن تحميل المسؤولية كاملة إلى الخارج. فالحكومة الحالية بسياساتها الارتجالية، وبفشلها في مواجهة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، وبتركها لقطاعات تعيش على الريع، أسهمت بشكل مباشر في تأجيج الشارع.
بل نؤكد أن الحكومة، بسياساتها الفاشلة وارتجاليتها وتضارب المصالح داخلها، قد أجّجت الغضب الشعبي وأفقدت الشارع ما تبقّى من ثقة.
غياب رؤية واضحة لإصلاح التعليم والصحة، والتردد في مواجهة الفساد المستشري، كلها عوامل صبت الزيت على النار وأفقدت الثقة بين المواطن والدولة.

حملة الأيادي النظيفة.. بداية أمل
ورغم قتامة المشهد، لا بد من الإشارة إلى أن الدولة المغربية بدأت فعلياً محاربة الفساد منذ مدة وأشرنا لهذا سابقا وبشكل استباقي عبر إطلاق حملة الأيادي النظيفة، والتي تشكل بارقة أمل لإعادة بناء الثقة وترسيخ مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
هذه الحملة يجب أن تكون شاملة، جريئة، وشفافة، حتى يشعر المواطن أن الدولة إلى جانبه وليست ضده.
كما إننا نؤكد بوضوح: نعم للمطالب المشروعة والعادلة لجيل الشباب، لكن لا للفوضى ولا للتخريب.
المغرب اليوم في مفترق طرق: إما أن يكون ما يحدث فرصة حقيقية لتصحيح الاختلالات ومواجهة الفساد وإرساء عدالة اجتماعية، أو أن ينزلق إلى متاهة الفوضى التي لن يستفيد منها سوى أعداء الوطن، داخلياً وخارجياً.
وجدير بالذكر أن جيل زد رفع صوته ليقول “كفى”، والدولة مطالبة بالاستماع والرد بخطوات عملية ملموسة، لا بوعود عابرة، تُعيد إنتاج نفس الوجوه والأخطاء.
المغرب بلد الاستقرار، ولا يمكن أن يسمح بأن يُختطف مستقبله بين مطرقة السياسات الفاشلة وسندان الأيادي الخفية. الإصلاح ممكن، والفوضى ليست حلاً.
وللإشارة، فإن المغرب خطى خطوات كبرى على مستوى الإصلاح والتنمية والبنية التحتية، واستطاع أن يفرض نفسه كـ قوة صاعدة إقليمياً ودولياً ورائدة في عدة مجالات، ومشرفة على تنظيم تظاهرات عالمية ضخمة رياضية وسياسية وحقوقية بفضل مؤهلاته واستقراره.
ولهذا، كما أشرنا في مقالنا تحت عنوان: “احتجاجات جيل Z في المغرب تُعرّي نوايا الأعداء وتكشف حقيقة الاستهداف“، فإن توقيت تأجيج هذه الاحتجاجات اليوم يطرح أكثر من علامة استفهام، لكن المملكة المغربية تعي تماماً ما يُحاك ضدها، وتعرف أعداءها اليوم أكثر من أي وقت مضى، لأنها كانت مستهدفة منذ قرون ولا تزال.
لهذا إن هذه الأوضاع، رغم خطورتها، قابلة للاحتواء عبر الحوار السياسي المسؤول واتخاذ قرارات صارمة تعيد الانسجام الاجتماعي وتُعيد الثقة بين المواطن ومؤسساته، مع ضبط استقرار وأمن البلاد كخيار لا تنازل عنه.
وهنا تكمن قوة الدولة المغربية التي أثبتت عبر التاريخ أنها قادرة على تحويل الأزمات إلى فرص للإصلاح والبناء.




