آراءمجتمع
أخر الأخبار

أسوأ أنواع العقوق هو عقوق الوطن: مقاربة مع مظاهرات جيل Z الأخيرة

جيل Z أمام تحدٍ كبير: أن يكون صوتًا للتغيير البنّاء وليس للصراخ الهدام، أن يكون شريكًا في البناء وليس خصمًا للوطن..

 دة. أميرة عبد العزيز

في كل أمة، هناك درجة من الوفاء للوطن تُقاس بأفعال أبنائه وشعورهم بالمسؤولية تجاه مستقبل بلدهم. ومن بين أسوأ صور العقوق، يأتي عقوق الوطن في مقدمة القضايا التي لا تغتفر، لأنه لا يقتصر على خيانة القيم أو الأسرة، بل يمتد إلى إهمال التضحيات والتنمية التي حققتها الدولة.

هذا المفهوم أصبح أكثر وضوحًا في الأحداث الأخيرة التي شهدتها المغرب، حيث خرجت مظاهرات جيل Z في مشهد تناسى الإنجازات الوطنية العظيمة في مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية، وحوّل التعبير عن المطالب إلى صراخ هدام، نسي فيه الكثيرون أن المغرب اليوم ليس كما كان قبل عقدين من الزمن.

شهدت مدن مثل الرباط والدار البيضاء ومراكش وفاس مظاهرات شبابية عفوية أطلق فيها المشاركون شعارات احتجاجية ضد الحكومة، مطالبين بإصلاحات فورية في التعليم والصحة والتوظيف.

على الورق، يحق لأي جيل التعبير عن آرائه، لكن الخطير في هذه المظاهرات هو إلغاء الوعي التاريخي بما تحقق من إنجازات وطنية، والاكتفاء بنقد السلطة كأن المغرب لم يحقق أي تقدم.

ففي مجال التعليم، أطلقت وزارة التربية الوطنية برنامجًا وطنيًا لتجهيز آلاف المدارس في المناطق النائية بالوسائل الرقمية الحديثة، وارتفعت نسبة التمدرس إلى مستويات غير مسبوقة، إلا أن هذه الإنجازات لم تجد صدى في شعارات المتظاهرين.

وفي قطاع الصحة، تم افتتاح مستشفيات جديدة في الرباط والدار البيضاء ومراكش، إضافة إلى مراكز صحية مجهزة بأحدث التقنيات الطبية في القرى النائية، بينما ركز المحتجون على حالات فردية للقصور، متجاهلين أن المغرب يمتلك اليوم نظامًا صحيًا متطورًا مقارنة بعشر سنوات مضت.

هذا النسيان ليس مجرد إهمال، بل هو عقوق وطني، لأنه يُسقط على الحكومة مسؤولية تجاه بلد لم يعترف المشاركون فيه بالجهود المبذولة من أجل مستقبلهم.

العقوق الوطني يظهر بوضوح عندما يتحول النقد البنّاء إلى هدم عشوائي.

جيل Z يمتلك القدرة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير، لكن الخطر يكمن في تبني خطابات سريعة دون فهم السياق التاريخي والتنموي للمغرب.

الهتافات والشعارات التي طالت مشاريع البنية التحتية الكبرى، مثل توسعة شبكة الطرق السيارة بين المدن الكبرى، ومشروع الربط الطرقي بين القرى والأقاليم النائية، وبرنامج دعم الفلاحة المستدامة في سوس ومراكش، لم تتضمن أي تقدير للجهود المبذولة، وكأن كل ما تحقق لا قيمة له.

في إحدى المظاهرات بالدار البيضاء، رفع بعض الشباب لافتات تتهم الحكومة بالفشل في التعليم، بينما الحقائق تظهر ارتفاع عدد المدارس الحديثة والمدارس الرقمية المجهزة بالكامل، بما يشمل المناطق القروية النائية في الشمال والجنوب.

هنا يظهر الفرق بين النقد الواعي الذي يسعى لتحسين الوضع وبين العقوق الذي ينكر الإنجازات.

جيل Z يملك فرصة تاريخية ليكون قوة إيجابية للتغيير، لكن هذا يتطلب وعيًا بمسؤولية وطنية قبل الانخراط في أي احتجاج.

العقوق الوطني ليس فقط تجاه المؤسسات الحكومية، بل تجاه المجتمع كله، لأنه يقوض روح الانتماء والاعتزاز بما تحقق من إنجازات.

التاريخ المغربي مليء بالأمثلة على شباب قاموا بدورهم الوطني، ليس فقط بالنقد، بل بالمشاركة الفاعلة. اليوم، يتضح أن بعض مظاهرات جيل Z تفتقر إلى هذا البعد، وتركز على الهتاف اللحظي دون تحليل حقيقي للوضع، متناسية أن المغرب يعيش مرحلة انتقالية وتنموية متقدمة مقارنة بسنوات مضت.

أسوأ أنواع العقوق هو عقوق الوطن، لأنه يهدم الثقة بين المواطن ودولته ويخلق فجوة بين الإنجازات والتقدير المجتمعي لها.

المغرب اليوم ليس مثالًا على الكمال، لكنه بلد يسعى لتحقيق تنمية شاملة في التعليم والصحة والبنية التحتية، ويجب على الشباب أن يدركوا هذه الجهود ويشاركوا في تطويرها بدل إنكارها.

جيل Z أمام تحدٍ كبير: أن يكون صوتًا للتغيير البنّاء وليس للصراخ الهدام، أن يكون شريكًا في البناء وليس خصمًا للوطن، وأن يفهم أن الحرية في التعبير تأتي مع المسؤولية الوطنية، والاعتراف بما تحقق من إنجازات هو أول خطوة نحو نقد فعّال وواعي.

وفي الختام، أوجّه نصيحة أخيرة لشباب المغرب: الانخراط الفعلي في العمل السياسي والمجتمعي هو السبيل الأمثل لمواكبة التغيير وصناعة المستقبل.

من خلال المشاركة في الأحزاب السياسية، الجمعيات المدنية، والمبادرات الشبابية، يمكن لجيل Z أن يحوّل طاقاته واحتجاجاته إلى أفعال بنّاءة تؤدي إلى تطوير وطنهم، بدل الاكتفاء بالهتاف الذي قد ينسف جهود الدولة ويهدم روح الانتماء الوطني.

فالوفاء للوطن لا يكون بالكلام وحده، بل بالمشاركة والإسهام في صنع مستقبل مشرق للمغرب.

https://anbaaexpress.ma/bn5ex

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى