بدر شاشا
في مجتمع يسعى للتقدم والتنمية، تبقى قضية اندماج السجناء السابقين واحدة من أهم التحديات الاجتماعية التي تحتاج إلى اهتمام جدي وفهم عميق.
بعد أن يقضي الفرد عقوبته في السجن، يُفترض أن يخرج إلى الحياة الحرة ليبدأ صفحة جديدة، لكن الواقع في المغرب غالبًا ما يكون معاكِسًا لذلك. فالسجل العدلي وحسن السيرة يتحولان من مجرد أوراق رسمية إلى حاجز حقيقي أمام اندماج هؤلاء الأشخاص في المجتمع.
السجل العدلي، الذي يُفترض أن يكون مجرد وثيقة توثق الماضي، يتحول إلى حكم دائم على حياة الإنسان بعد خروجه من السجن. من يقدم على توظيفه، أو يطلب منه فرصة، ينظر إليه بعين الشك والريبة بسبب ما يظهر في هذه الوثائق.
كل محاولة لبداية جديدة تصطدم بحواجز قانونية واجتماعية، تجعل الشخص الذي كان ضحية لظرف معين يعيش عذابًا مضاعفًا بعد قضاء عقوبته.
أما شهادة حسن السيرة، فهي في المغرب مرتبطة أحيانًا بتاريخ العدالة أكثر من سلوك الفرد الحالي. فحتى بعد سنوات من التوبة والعمل الجاد، يبقى الحصول عليها صعبًا، وكأن المجتمع لا يريد أن يعطي فرصة ثانية لمن أخطأ سابقًا. هذا الأمر يولد إحباطًا عميقًا، ويزيد من شعور الشخص بأنه غير مرغوب فيه، مما قد يدفعه أحيانًا إلى العودة إلى الطريق القديم، ليس لأنه يريد ذلك، بل لأن الفرص أمامه محدودة جدًا.
إن المجتمع المغربي يحتاج اليوم إلى إعادة نظر في هذه القوانين والممارسات، لتصبح الوثائق الرسمية وسيلة للاندماج والتقويم، لا وسيلة للعقاب الدائم. إعادة تأهيل السجناء لا يجب أن تتوقف عند باب السجن، بل يجب أن تستمر في كل مؤسسة، وكل وظيفة، وكل حيّ، بحيث يشعر الشخص بأنه جزء من المجتمع وليس خارجًا عنه.
لذا، من الضروري أن يكون هناك دعم حقيقي للمساجين السابقين بعد خروجهم، من خلال برامج التكوين، فرص الشغل، والاستشارة القانونية لتسهيل حصولهم على السجل العدلي وشهادة حسن السيرة بطريقة عادلة.
هذا ليس فقط حقًا إنسانيًا، بل هو استثمار للمجتمع نفسه، لأن كل شخص يجد فرصته بعد الخطأ يمكن أن يصبح عنصر قوة في محيطه، بدل أن يكون عبئًا أو معزولًا.
يجب أن يدرك الجميع أن العدالة لا تقتصر على العقوبة داخل السجن، بل تمتد إلى كيفية استقبال الفرد بعد خروجه. المجتمع الذي يمنح فرصة ثانية، هو مجتمع ينمو ويزدهر، والمغرب يحتاج اليوم إلى هذا الوعي، ليصبح لكل مغربي، مهما أخطأ في الماضي، فرصة ليبني مستقبله ويعيش بكرامة.




