بعد أسابيع من التوتر العنيف الذي اجتاح نيبال، بدأت ملامح مرحلة سياسية مختلفة تتشكل في هذا البلد الجبلي الصغير، الذي هزّت شوارعه موجة احتجاجات غير مسبوقة قادها جيل الشباب المعروف بجيل Z.
اندلعت الاحتجاجات مطلع سبتمبر 2025 عقب قرار الحكومة حجب أكثر من 25 منصة تواصل اجتماعي، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى انتفاضة شاملة ضد الفساد والمحسوبية وتدهور الاقتصاد.
وللإشارة، وبعد يومين من أعمال الشغب، أعلن الجيش النيبالي سيطرته على العاصمة كاتماندو، ناشرًا دورياتٍ مدججةً في شوارعها لإعادة النظام، وذلك عقب موجة عنف دموية أحرقت مبنى البرلمان ومع تصاعد الضغط الشعبي وسقوط عشرات الضحايا، وأجبرت رئيس الوزراء كيه. بي. شارما أولي على الاستقالة.
في 12 سبتمبر، كُلّفت القاضية السابقة سوشيلا كاركي بقيادة حكومة انتقالية، في خطوة غير مسبوقة، أُعلن معها حلّ البرلمان وتحديد الخامس من مارس 2026 موعدًا لانتخابات عامة مبكرة.
لكن انعكست الاضطرابات بقوة على الاقتصاد الوطني، إذ خسر قطاع السياحة، أحد أعمدة الدخل القومي، نحو 30% من حجوزاته، وفق معطيات رسمية وتعرضت منشآت حكومية وتجارية لأضرار مادية كبيرة قُدّرت بمئات ملايين الدولارات.
ورغم بدء عمليات الإصلاح، ما زال المستثمرون يترقبون استقرارًا حقيقيًا قبل ضخ أموال جديدة.
هدوء حذر وعودة تدريجية للحياة
شهدت العاصمة كاتماندو ومدن رئيسية أخرى عودة تدريجية للنشاط بعد رفع حظر التجول وتخفيف القيود الأمنية.
كما جرى التراجع عن بعض قرارات حجب وسائل التواصل، ما سمح بعودة التواصل المجتمعي وتدفق المعلومات.
ومع ذلك، يبقى الشارع النيبالي متوجسًا، إذ يطالب المحتجون بإصلاحات أعمق تعالج جذور الأزمة وتضمن الشفافية ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
هل المنطقة مقبلة على “ربيع آسيوي”؟
يرى محللون أن ما وقع في نيبال قد لا يبقى حالة معزولة. فالتشابه في الأوضاع الاقتصادية والديموغرافية في بعض دول جنوب آسيا، مثل بنغلاديش التي تشهد بدورها ضغوطًا شبابية واحتقانًا سياسيًا، يفتح الباب أمام ما يُشبه “ربيعًا آسيويًا” إذا استمرت مشكلات البطالة وغلاء المعيشة وتراجع الحريات.
هذا الاحتمال لا يعني حتمية تكرار السيناريو، لكنه مؤشر إلى أن موجة الحركات الشبابية قد تتحول إلى ظاهرة إقليمية إذا لم تُعالج جذور الأزمات.
في هذا الصدد، تواجه الحكومة المؤقتة في نيبال تحديات جسيمة: إعادة الثقة في المؤسسات، إصلاح الاقتصاد، وإرساء مناخ انتخابي آمن.
نجاحها في هذه المهام سيحدد ما إذا كانت نيبال ستتحول إلى نموذج ديمقراطي متجدد في جنوب آسيا، أم تدخل دوامة جديدة من الاضطرابات.
بهذه التطورات، تبدو نيبال اليوم على أعتاب فصل سياسي واقتصادي جديد، فيما تراقب دول آسيوية أخرى، وعلى رأسها بنغلاديش، هذه التجربة بحذر، خشية أن تنتقل شرارة “الربيع الآسيوي” إلى ساحاتها.