أفريقياسياسة
أخر الأخبار

من تندوف إلى تين زواتين: الجزائر وتوظيف الحركات الانفصالية لضمان توازن الفوضى

الجزائر التي أخفقت في لعب دور الوسيط النزيه في اتفاق الجزائر عام 2015، تعود اليوم لتعيد تدوير الأزمة، مستثمرة ورقة الطوارق والأزواد كما استثمرت ورقة الصحراويين لعقود

بقلم: د. أميرة عبد العزيز

من تندوف حيث وُلدت جبهة البوليساريو بدعم مباشر من الجزائر، إلى تين زواتين حيث أُعلن عن تأسيس “جبهة تحرير أزواد”، يتكرر المشهد وكأن الجزائر لا تملك سوى وصفة واحدة في إدارة نفوذها الإقليمي: توظيف الحركات الانفصالية لضمان توازن الفوضى.

هذه السياسة، التي قدّمتها الجزائر طوال عقود في ثوب “الدفاع عن حق الشعوب في تقرير المصير”، لم تكن في حقيقتها سوى وسيلة لإضعاف الدول المجاورة والتحكم في مساراتها الداخلية.

إعلان ميلاد جبهة تحرير أزواد أواخر نوفمبر 2024 لم يكن حدثًا عابرًا في شمال مالي.

أربع حركات مسلحة اجتمعت لتشكيل جبهة موحدة، واختارت مدينة تين زواتين الحدودية، في قلب النفوذ الجزائري، مكانًا لانطلاقتها.

هذا الاختيار لم يكن اعتباطيًا، بل يعكس بوضوح الدور الخفي الذي تلعبه الجزائر في رعاية الكيان الجديد، تمامًا كما فعلت مع البوليساريو في سبعينيات القرن الماضي حين وفرت لها الأرض والدعم والشرعية السياسية.

التشابه بين التجربتين يكاد يكون مذهلًا: في التسمية “جبهة تحرير”، في الموقع الحدودي، في استغلال ورقة الهوية والانفصال، وفي توظيف مخيمات اللاجئين كورقة ضغط إنسانية وسياسية.

وحدها الجزائر حاضرة في المشهدين، تتحرك كوسيط في العلن بينما تمارس في الخفاء دورًا أوضح في صناعة التوازنات الهشة.

تصريحات بعض قادة الأزواد تكشف هذه الحقيقة؛ فقد اعترف الناطق باسم الجبهة أن الجزائر كانت وراء إفشال قيام دولة أزوادية عام 2012، لكنها تبقى الوسيط الوحيد الممكن.

هذا الاعتراف يعكس بجلاء لعبة الجزائر المزدوجة: تمنع الاستقلال لكنها ترعى الانفصال، وتُجهض الحلول لكنها تقدم نفسها كمنقذ.

رد باماكو على إعلان الجبهة كان سريعًا وحاسمًا. فبعد أقل من أربع وعشرين ساعة، نفّذ الجيش المالي غارة جوية استهدفت اجتماعًا لقيادات أزوادية في كيدال، وأسفرت عن مقتل شخصيات بارزة.

لكن هذا الرد العسكري لا يحل المعضلة؛ فالمسألة أكبر من مواجهة حركة مسلحة، إنها معركة مع نفوذ إقليمي يتغذى على إبقاء الساحل في حالة اضطراب.

الجزائر التي أخفقت في لعب دور الوسيط النزيه في اتفاق الجزائر عام 2015، تعود اليوم لتعيد تدوير الأزمة، مستثمرة ورقة الطوارق والأزواد كما استثمرت ورقة الصحراويين لعقود.

ما يجمع كل هذه السياسات هو فكرة واحدة: ضمان توازن الفوضى. فبقدر ما تبقى الجبهة الداخلية لجيرانها ضعيفة ومنقسمة، بقدر ما تتعزز قدرة الجزائر على لعب دور القوة المركزية في المنطقة.

إن التدخل الجزائري في الشؤون الداخلية لم يعد يُقرأ كاستثناء عابر، بل كنهج ممنهج يمتد من المغرب إلى مالي، ومن ليبيا إلى تونس.

ومع بروز “جبهة تحرير أزواد”، يصبح واضحًا أن الجزائر لا تبحث عن استقرار الساحل، بل عن فوضى يمكن التحكم في إيقاعها وتوجيهها بما يخدم أجندتها.

الخطر هنا لا يهدد مالي وحدها، بل يهدد أمن الساحل كله، ويعيد إلى الواجهة سؤالًا خطيرًا: هل نحن بصدد ولادة “بوليساريو ثانية” تعمّق جراح المنطقة وتغذي دوامة اللااستقرار لعقود قادمة؟

https://anbaaexpress.ma/36w2i

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى