تقاريرسياسة
أخر الأخبار

الرحلة الرمزية لقاعة “الخُلد”.. من العصر الصدامي إلى العهد السوداني

ردود الأفعال التي صدرت من سياسيين ومراقبين، على اختيار قاعة الخُلد، تفاوتت من اعتبارها تقليداً لسياسات "صدام حسين"، إلى مجرَّد "دعاية سياسية" لرئيس الحكومة الحالية. بينما وجدها آخرون مكاناً للاحتفال بشيء "غير موجود"..

بعد أكثر من اثنين وعشرين عاماً، على ولادة النظام السياسي الجديد في العراق منذُ التاسع من نيسان 2003.

اختار رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، قاعة الخُلد الشهيرة في تاريخ العراق السياسي، للاحتفال باليوم العالمي للديمقراطية  الذي يُصادف الخامس عشر من سبتمبر في كُل عام.

السوداني، اختار يوم السادس عشر من الشهر الجاري، ليكون اليوم العراقي للديمقراطية. أيضاً، شهد اليوم نفسه، انطلاق “المرصد العراقي لمراقبة الديمقراطية”.

رئيس الحكومة اختار قاعة الخُلد التي تعني لغوياً “ديمومة البقاء وعدم الموت”. ليؤكد إنَّ العراق الجديد “يسير بثبات نحو ترسيخ الديمقراطية ولا عودة إلى الوراء”.

ردود الأفعال التي صدرت من سياسيين ومراقبين، على اختيار قاعة الخُلد، تفاوتت من اعتبارها تقليداً لسياسات “صدام حسين”، إلى مجرَّد “دعاية سياسية” لرئيس الحكومة الحالية. بينما وجدها آخرون مكاناً للاحتفال بشيء “غير موجود”.

مغامرة رمزية

الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، كان قد تولى رئاسة الجمهورية العراقية، يوم السادس عشر من يوليو عام 1979، بعد استقالة الرئيس احمد حسن البكر.

لم يصبح حسين رئيساً فقط بل أميناً عاماً لحزب البعث العربي الاشتراكي، وقائداً لمجلس قيادة الثورة في حينها.

 بعد ستة أيَّام، تحديداً، في الثاني والعشرين من يوليو عام 1979، أصدر حسين قراره بسجن “عدد من خصومه السياسيين وإعدام البعض الآخر.

ومن بينهم 6 من أعضاء القيادة القطرية في حزب البعث”. كانت التُهمة “التآمر مع النظام السوري لقلب النظام في العراق”.

قاعة الخُلد التي تقع غرب العاصمة بغداد، في منطقة “كرادة مريم”، تتألَّف من أربعمائة مقعد موزَّعة على شكل مُدرَّجات والتي شهدت “أكثر الأعمال دموية التي رأيناها من رأس النظام المخلوع الدكتاتور صدام، حينما اجتمع بقيادات الحزب المنحل، وأمر بإعدام مجموعة كبيرة جداً منهم” بحسب علاء الخطيب.

المحلل السياسي الخطيب، حاول بعدها تفسير الرسوخ الرمزي لقاعة الخُلد في الوعي الجمعي العراقي بالقول “رسخت في الذاكرة السوداء للعراقيين لأن صدام أعلن فيها عن دكتاتوريته، وبأنه هو صاحب الكلمة الفصل في هذه القاعة”.

منقذ داغر الأكاديمي وعضو مؤسسة “غالوب” العالمية لاستطلاعات الرأي، كان له رأي مختلف تماماً “لا أعتقد أنها تتحمل رمزية معينة، لأنه لا توجد رمزية مع هذه القاعة المقترنة بحدثٍ سلبي”.

أمّا ماجد القيسي الخبير العسكري والمفكِّر الاستراتيجي فقد وجد بأنَّ الاختيار لا يتحمل التعبئة الرمزية.

القيسي اختزل قيمة الاختيار بكونها “رسالة سياسية من رئيس الحكومة والنظام لجميع من في الداخل والخارج، بأنَّ قاعة الخلد باتت فاصلاً بين الدكتاتورية والديمقراطية”.

معتبراً نسبة “الحضور اللافت لسفراء ورؤساء بعثات دبلوماسية من دول العالم” دليلاً إضافياً على أن الاختيار ينبع من الحاضر السياسي لا من رمزية التاريخ.

سمير عبيد الأكاديمي والمحلل السياسي، حاول في البداية إخراج قاعة الخُلد من المُضاربة السياسية “لكي نكون منصفين ولا نخلط الأمور ببعضها، قاعة الخلد مكان لا يعود لصدام حسين ولا لنظامه. بل هي من ممتلكات الشعب العراقي. كذلك هي ليست ملكاً للسيد محمد السوداني ولا لحكومته ولا لغيره”. 

قرر عبيد بعدها قطع رقبة القيمة الرمزية لهذا المكان “تشبه القصر الجمهوري الذي جلست فيه الحكومات المتعاقبة منذ عام 2005 وحتى الآن”.

وعن إمكانية إعراب قاعة الخُلد كمؤامرة سياسية، علَّق “مؤامرة ؟ تلك الحساسية عند بعض  العراقيين غير مبررة اطلاقاً. لا نعتقد أن الاختيار تذكير ببطش النظام السابق، ولا تذكير بقطع الرؤوس”.

مات النظام عاش النظام

ماجد القيسي نصح بالاستعانة بالمثال الليبي. ذكَّر بالقيمة الرمزية لقصر “الخُلد” الليبي في طرابلس. شهد هذا القصر إعلان استقلال ليبيا عام 1951.

سقوط النظام الملكي السنوسي عام 1969، وصعود النظام الجمهوري بقيادة الرئيس الليبي الأسبق معمر القذافي، ولحين قتله أواخر أكتوبر 2011.

قصر الخُلد يرفض حتى هذه اللحظة، أن يتخلَّى عن كونه تاجاً رمزياً، لإمكانية حدوث المزيد من الانعطافات الجذرية في السياسة الليبية. على الأقل هذا ما كشفته صحيفة لاكروا الفرنسية عام 2024.

الديمقراطية في العراق “لم تبنى على قاعدة سياسية تراكمية” بحسب القيسي، ولذا اعتبر اختيار قاعة الخُلد “محاولة للتسويق الديمقراطي”.

أمّا الأكاديمي العراقي فارس حرَّام فقد وجَّه الأنظار، صوب ما اعتبرها “مفارقة” في الإعلان عن تأسيس المرصد العراقي لمراقبة الديمقراطية والاحتفال باليوم العالمي للديمقراطية، حدثا “بحضور وكلمات ممن هم بعيدون أصلاً عن الديمقراطية”.

حرَّام ترك قاعة الخُلد وركَّز النظر على ما اعتبره لُب المسألة بحسب تقييمه “أنا قلت للإخوان المؤسسين إنه ليس من الصحيح الإعلان عن تأسيس مركز المرصد العراقي لمراقبة الديمقراطية، بكلمات من الرؤساء الثلاثة، ومن شخصيات سياسية هي كلها بعيدة عن الديمقراطية”.

بعد أن دقَّ هذا الأكاديمي جرس التحذير، من المشاعر الديمقراطية التي جرت ساخنة، على ألسُنة السياسيين العراقيين في هذه الاحتفالية، قام بتوضيح التالي “لا يوجد حزب واحد في السلطة، ولا حتى قيادي سياسي واحد منذ 2003 إلى الآن، قد سار على أعراف الديمقراطية، وقد ذكرت ذلك بالأسماء. ولذلك امتنعت عن الحضور في إعلان التأسيس”.

السياسي العراقي رحيم الدراجي استغرب بدوره، من الاحتفال باليوم العالمي للديمقراطية في العراق ” لكي نحتفل بالشيء، أليس يجب أن يكون موجوداً؟”.

ذكَّر الدراجي بعدها بأبرز السياسات الحاصلة حالياً في البلاد “وين الديمقراطية بالعراق؟ تقصد ديمقراطية تكميم الأفواه، وضع القيود والشروط على القنوات الفضائية، ومنع الظهور والاعتقال”.

رفض الدراجي كذلك أن يكون اختيار قاعة الخُلد، نوعاً ما من بساط سحري، يهرُب بالعراق من العصر الدكتاتوري “الديمقراطية بطبيعتها تطير بجناحين.

الأول هو السلطة الحاكمة والثاني المعارضة. نحن بعد أكثر من 23 سنة لا توجد لدينا معارضة. كلها تحكم ولديها سُلطة ومناصب، وتستغل النفوذ”.

سمير عبيد اختار إعادة برمجة قاعة الخُلد، بعيداً عن التشفير الدكتاتوري والديمقراطي. اختار الصراع السياسي الحالي “كان العراقيون ينادون لسنوات بأنهم يريدون رئيس حكومة من ابناء الداخل، وسئمنا من عراقيي الخارج.

هكذا كان ينادي الشارع؛ فجاء السيد محمد شياع السوداني من عراقيي الداخل. اليوم، هناك من يتهمونه تارة بأنَّه بعثي، وتارة فاسد، وتارة متمرد، وتارة يقود مؤامرة”.

عبيد وجد أن الفريق السياسي الذي أختار السوداني، هو من يرميه بالتهم حالياً “إنَّ معظم الذين يتهمونه الآن هم الذين جاءوا به وأيَّدوه وأعطوه الشرعية”.

وعن دور قاعة الخُلد في هذا الصراع السياسي “هم أنفسهم الذين منعوه من محاربة الفساد وفتح الملفات السوداء، وهم الذين  يقولون الآن أن اختيار قاعة الخلد تخليد لصدام وقمعه، ورسالة تخويف وترهيب”.

المعارضة والنظام الدولي

تزامن اختيار قاعة الخُلد للاحتفال باليوم العالمي للديمقراطية وانطلاق أعمال المرصد العراقي لمراقبة الديمقراطية، مع إلغاء الولايات المتحدة يوم الحادي عشر من سبتمبر الجاري، لتفويضات “استخدام القوة العسكرية المرتبطة بالعراق، للعامين 1991 و 2002”.

بعض المراقبين اعتبروا ذلك دليلاً إضافياً، على عدم وجود رغبة دولية بتغيير النظام العراقي الحالي.

علاء الخطيب، رأى أن المعارضة السياسية في العراق والحالمة بتغيير طبيعة النظام السياسي لا استبداله، متأكدة من استحالة القيام بذلك “تعلم تماماً بأن المسألة لا تعتمد على عدد الأصوات ولا على المقاعد، ولا على مقبولية الشارع”.

سكَّ الخطيب من التيار الصدري مثالاً بعد فوزه في انتخابات عام 2021 “حصل على 73 مقعد، ورغم تحالفاته مع الأكراد والسنة، لم يستطع تطويع القرار الشيعي للإطار التنسيقي”.

 النتيجة التقليدية التي خلُص إليها الخطيب “اصبح السيد الصدر خارج اللعبة السياسية، وتمكن الطرف الآخر من تحديد مسار اللعبة السياسية من خلال تنصيب رئيس الوزراء السيد السوداني”، كإشارة إلى تحالف الإطار التنسيقي الشيعي.

المعارضة السياسية في العراق ما زالت غير موجودة. رحيم الدراجي فسَّر اختفاء المعارضة بالقول “لأن البرلمان والحكومة كلاهما معاً”.

مُستثنياً “بعض الأصوات الوطنية التي ترفض الأداء والعقلية والمنهجية في إدارة السُلطة. هم محاربون من كل المستفيدين من التواجد في السُلطة”.

المعارضة السياسية للنظام السياسي الحالي، والموجودة خارج العراق “غير مهمة”. والسبب بحسب ماجد القيسي “لأنها معارضة غير حقيقية. أنهم مجرَّد أفراد لديهم اتباع على السوشيال ميديا؛ أي أنها غير ذات ثقل وهي تعوِّل على الولايات المتحدة”.

سمير عبيد استبعد أن يكون زمن ومكان قاعة الخُلد “رسالة للمعارضة. ولا اعتقد أنها رسالة عنيفة للخارج إقليمياً ودولياً – السوداني يمارس سياسة يا مستورة انستري – لأنه يدرك أن العراق بوضع حرج جداً بعد رفع الغطاء الأميركي عنه أخيراً. العراق أصبح عارياً من الحصانة إن صح التعبير وفضاءً مفتوحاً بلا حارس مؤثر”.

سبب ابتعاد السوداني عن المشاكسة السياسية بحسب عبيد “يعرف حجم الطامعين بمنصبه ومكانه من اقرب خطوط حلفائه بالإطار التنسيقي”.

مقترحاً بعدها هذا السيناريو لتفسير المشهد السياسي داخل قاعة الخُلد “اميل لأصحاب الرأي الذي يقول – وأكرر ربما أميل – هي رسالة للخط المائل داخل الحكومة وداخل الإطار وداخل الطبقة السياسية؛ أي رسالة للذين هم في الحكومة والسُلطة. واصبحوا ينفتحون على المعارضة في الخارج، وعلى مشروع التغيير بالسر أخيراً. ربما هي رسالة تنبيه لهم”.

 دعاية وتقليد

منقذ داغر رفض أن يكون اختيار قاعة الخُلد له علاقة بالنظام السياسي الحالي “لا اعتقد أن القصة تتعلق بالنظام وإنما هي ذات علاقة بالدعاية الانتخابية لرئيس الوزراء أكثر من أي شيء آخر”.

كلمات رحيم الدراجي سارت على نفس سياق داغر تقريباً “إنَّ الاحتفال كان دعاية انتخابية. الغرض منها تطوير الخطابات الإنشائية، وتضليل الرأي العام ومواصلة هذا التضليل. هذا شيء محزن”.

علاء الخطيب رفض الرمزية في اختيار قاعة الخُلد. تبنى تأويل التقليد “السوداني متأثر بشكل أو بآخر بشخصية الرئيس الأسبق صدام حسين. كل حركات الجسد، انفعالات السيد السوداني، والخطوات التي يقوم بها، من زيارة البيوت وبعض الناس، واللقاءات في الشارع، رأينا الرئيس المخلوع يقوم بها تقرباً من الشارع العراقي”.

عاد الخطيب بعدها، للكشف عن الأسباب العملية لهذا التقليد “الرئيس السوداني يريد أن يتقرَّب من الشعب العراقي. ويحصل على الشعبية والشرعية من الشارع لا من القوى السياسية.

هو يعلم أن الكتل السياسية لا تمنح الشرعية إلا من خلال بعض التنازلات أو من خلال الامتيازات التي تحصل عليها كما حصل في كل الدورات السابقة”.

الخطيب، لمَّح إلى أن التقليد الذي يقوم به رئيس الحكومة العراقية الحالية، ما هو إلَّا محاولة لكسر تقليد آخر يتعلق بمنصب رئاسة الوزراء في البلاد “لا يمكن الحصول عليها إلَّا من خلال التوافقات السياسية.

هذا ما صرَّح به السيد المالكي عندما قال أن عدد المقاعد ليس هو المعيار أو المقياس للحصول على رئاسة الوزراء بقدر ما تكون العملية توافقية بين الكتل السياسية”.

ذكَّر الخطيب بعدها بتعقيدات الصراع السياسي الجاري حالياً في العراق، من خلال الإشارة إلى حديث قيس الخزعلي زعيم مليشيا عصائب أهل الحق يوم السادس عشر من سبتمبر، والذي يعتبر حليفاً مهماً لرئيس الحكومة العراقية “قال الشيخ قيس الخزعلي كلاماً بيَّن فيه وبشكلٍ صريح بأنَّ العصائب هي القوة التي أوصلت الرئيس السوداني إلى سدَّة الحكم. ونحن كنا الكتلة الأقوى في وصول السيد السوداني”.

الترجمة النهائية لما قاله الخزعلي، كانت وبحسب الخطيب “أراد أن يوصل رسالة بمعنى أو بآخر، إنه مهما تقرَّب السيد السوداني للشارع، لكن تبقى العملية السياسية رهينة التوافقية”.

https://anbaaexpress.ma/qh9bj

مسار عبد المحسن راضي

كاتب صحافي وباحث عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى