آراءمجتمع
أخر الأخبار

27 و 28.. متناقضات في زمن الإدعاء

ألهذا الحد ضاقت أرض المغرب بأبنائها، ختاما أقول، المقاربة الأمنية التي نهجتها الحكومة مقاربة فاشلة وستزيد الوضع تأججا، في حين كان من المفروض استعمال أسلوب الاستماع للمطالب وأن يخرج بخطاب يهدئ الوضع في أفق إصلاح قريب، عوض استعمال أسلوب العصا..

قلت مع نفسي، لم لا أشاهد التلفاز المغربي، وأقوم بجولة في بعض قنواته لأرى ما يقع في بلادي، وصادفت في أول قناة حوارا مطولا مع رئيس الحكومة يتحدث بلغة التفاؤل والأرقام والمنجزات، ودعوته للمواطنين للانخراط في الأحزاب السياسية لإنعاش الحركة والدينامية في العمل النقابي والحزبي والطلابيّ والجمعيات، وصادفت حوارا في بودكاست مع أمين عام لحزب في المعارضة يتحدث عن الفساد وعن الإخفاق الحكومي في جل القطاعات، وختم حديثه بنداء للشباب للإقبال على صناديق الاقتراع لقطع الطريق على الفاسدين..

وانتقلت لقناة ثالثة، وصادفت مسؤولا حكوميا شابا يستعرض عضلات حزبه ويرمي خصومه بأقبح النعوت ويخون هذا ويسفه هذا ويمجد رئيسه ويستهزئ بالشباب وأنهم مغرر بهم، ولم أمل من التنقل بين القنوات وقلت مع نفسي، علي أن أقوم بإطلالة ولو سريعة على الفيسبوك، وخاصة أنني اطّلعت على نداءات تخون تظاهرات 27/28 وينصحون بعدم المشاركة فيها لأنها موجهة من الخارج ومن خونة الداخل، وفي المقابل وجدت شبابا يدعون للنزول من أجل المطالبة بالحقوق وعلى رأسها الصحة والتعليم ومحاربة الفساد..

وجاء يوم 27 و 28، اللذان صادفا يوم السبت والأحد من شهر شتنبر 2025، فوقع ما لم يكن في الحسبان، خروج جماهيري لشباب في ريعان الشباب في مجموعة من المدن بشكل سلمي، ولكن ووجهوا بأسلوب غير لائق، السلطات منعتهم من تقديم تصريحات، بل اقتادت كثير منهم ذكورا وإناثا نحو سيارات الأمن وزجت بهم داخلها، وحتى المارة لم يسلموا من الاقتياد نحو السيارات، وبعدها نحو دوائر الشرطة للتوقيع على محاضر، وكان من بين من لاقوا تعاملا غير لائق محام وصحفيون وحقوقيون ومن قيدوم ومناضل معروف، ولم يشفع له سنه، بل أخبرهم أنه أراد فقط متابعة ما يقع فزج به أيضا داخل سيارة الأمن، وفي المساء تم إطلاق سراح الجميع..

ومما آلمني اعتقال شاب كان مع والدته وهو في طريقه للسيارة ينادي على والدته ماما، ولم يشفع له ذلك، وكذلك بقي عالقا في ذهني سيدة تدفع بعنف وتجر بشكل همجي، فأغمي عليها، وتركوها جانبا واستمروا في تتبع المشاركين، وفي لحظة من اللحظات سقطت عيني على محام أعرفه جيدا ويعرفني، فسررت بحضوره وخاصة وأنا كنت من متابعيه، وهو يتحدث عن الفساد ويرفع دعاوي كثيرة بهذا الخصوص، يصرخ بأعلى صوته أن من حضروا للتظاهر من الشباب بأنهم يخدمون أجندات خونة المغرب من الداخل والخارج..

وأن أموالا صرفت لتشويه صورة البلد، فلما واجهه شباب من المتظاهرين بأنهم جاءوا للمطالبة بحقوق عادلة ومشروعة، خونهم، وفي لحظة لم يكمل كلامه حتى جره رجال الأمن بنفس الطريق التي جر بها المناضلون، فلم يشفع له تملقه أن يلقى نفس المصير..

وبعدها وقفت على تصريحات بعض المتظاهرين، فوجدتها معقولة وبلغة واضحة تتحدث عن مطالب الكل يطالبها أحزاب ونقابات وجمعيات، وكثير من الشباب خرجوا بعفوية وليسوا محزبين، وصدموا بل تصريحاتهم راقية وانضباطهم لم ينفلت لردود الفعل رغم العنف اللفظي المسلط عليهم، وختمها أحدهم بكلمات “هاد البلاد الكحلة”، بأنه هو ومجموعة من أصدقائه قرروا الهجرة الحريگ نحو الضفة الأخرى تاركا وصية أوصيكم بوالدتي..

ألهذا الحد ضاقت أرض المغرب بأبنائها، ختاما أقول، المقاربة الأمنية التي نهجتها الحكومة مقاربة فاشلة وستزيد الوضع تأججا، في حين كان من المفروض استعمال أسلوب الاستماع للمطالب وأن يخرج بخطاب يهدئ الوضع في أفق إصلاح قريب، عوض استعمال أسلوب العصا..

أما الأحزاب فكانت غائبة عن المشهد، مما يظهر فشلها، وتحية عالية للمناضلة الأمينة العامة منيب، التي خرجت في البيضاء إلى جانب المحتجين رافعة شعاراتهم ومنددة بالسياسات الإقصائية وبالفساد والاستبداد.

https://anbaaexpress.ma/3fz5b

شكيب مصبير

كاتب وفنان تشكيلي مغربي

‫3 تعليقات

  1. المقال كوكتيل من المفارقات والصدمات! من حوار رئيس الحكومة التفاؤلي إلى اقتياد المحامي المندد بالفساد، والشباب المطالب بحقوقهم يواجه العنف. كأننا نشاهد فيلمًا مغربيًا خياليًا! والمفارقة الكبيرة هي كيف أن الأرض ضاقت ليس فقط بالشباب، بل بالكتاب أيضًا الذي سجل هذه المشاهد! والأكثر إثارة للسخرية هو أن المقاربة الأمنية الفاشلة هي نفسها التي قد تقول إن هذا المقال موجه من الخارج! ضاقت أرض المغرب بالكاتب والمتظاهرين على حد سواء، فكيف لهم أن يطالبوا بحقوقهم في هذا الوضع المقلق!Basketball Bros

  2. مقال جميل جدا استادي الكريم .
    لم تصدمني المخزنة و لا الاعتداءات. و إنما صدمني شباب z. اشباب #التافه #في نضرنا قام بما عجزنا عليه .و الله هدا الشباب سيكون له شان كبير
    حفظكم الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى