شهدت العاصمة الأوكرانية كييف صباح الأحد واحدة من أعنف الضربات الروسية منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من ثلاث سنوات ونصف، إذ أعلنت القوات الجوية الأوكرانية حالة التأهب في عموم البلاد، فيما أغلقت بولندا أجزاء من مجالها الجوي تحسبًا لأي نشاط عسكري غير متوقع.
الهجوم الذي استمر حتى الساعات الأولى من الصباح تخللته تحليقات مكثفة للطائرات المسيّرة الروسية، في حين لجأ مئات السكان إلى محطات المترو بحثًا عن مأوى آمن.
مراقبون وصفوا الضربة بأنها رسالة روسية مزدوجة: إضعاف الدفاعات الأوكرانية من جهة، واختبار جاهزية حلف شمال الأطلسي من جهة أخرى.
وفي بولندا، أعلن الجيش أن قواته وحلفاءه رفعوا حالة الاستعداد القصوى، مع إغلاق أجواء مناطق حدودية حساسة، معتبرًا الأمر إجراءً وقائيًا لتأمين المدنيين.
هذه الخطوة عكست قلقًا متصاعدًا في أوروبا، خاصة بعد تكرار حوادث اختراق المجال الجوي لدول الناتو من جانب طائرات ومسيرات روسية، وهو ما تصفه العواصم الأوروبية بالاستفزاز المباشر.
على المستوى الدبلوماسي، حاول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف طمأنة الغرب خلال كلمته في الأمم المتحدة، مؤكدًا أن موسكو لا تنوي مهاجمة أوروبا، لكنها سترد “برد حاسم” على أي عدوان.
إلا أن استمرار حوادث الاختراق الجوي وتنامي الهجمات يضع هذه التصريحات في موضع الشك، ويغذي رواية الناتو بأن روسيا تختبر حدود الصبر الغربي.
من جانب آخر، يسعى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لتعزيز الدعم العسكري، معلنًا أن بلاده في طريقها لإبرام صفقات إضافية مع واشنطن لتزويدها بأسلحة بعيدة المدى، ضمن اتفاق تبلغ قيمته 90 مليار دولار.
هذه الخطوة تؤكد أن الحرب تدخل مرحلة تسليح أكثر تعقيدًا، حيث تحاول كييف توسيع قدراتها الجوية لمهاجمة أهداف داخل العمق الروسي.
الرسالة الأبرز من هذا التصعيد أن الحرب لم تعد محصورة داخل الحدود الأوكرانية، بل باتت تلامس الأجواء الأوروبية مباشرة، ما يضع الناتو أمام اختبار حقيقي: هل يستمر في سياسة الردع والتحذير، أم ينتقل إلى مواجهة أكثر صرامة قد تقربه من صدام مباشر مع موسكو؟
الهجوم الروسي على كييف وفق مختصين في الشأن الروسي ليس مجرد عمل عسكري بل جزء من معادلة استراتيجية أوسع؛ فموسكو تراهن على إنهاك أوكرانيا واستنزاف الغرب في آن واحد.
أما بولندا والحلفاء، فيخشون من أن تتحول هذه الحوادث “العرضية” إلى مقدمات لفتح جبهة أوسع.
المشهد الراهن يؤكد أن الحرب تدخل مرحلة دقيقة، حيث يتقاطع الميدان العسكري مع حسابات سياسية أوروبية وأميركية قبيل استحقاقات انتخابية داخل الغرب نفسه.