الشأن الإسبانيتقاريرسياسة
أخر الأخبار

موانئ المغرب تربك الحسابات الإسبانية.. “Vox” يلوح بتشريعات لمواجهة صعود طنجة المتوسط والناظور غرب المتوسط

المفارقة أن الاتحاد الأوروبي، الذي يشكو بعض السياسيين الإسبان من دعمه للمغرب، ينظر بدوره إلى المملكة كحليف استراتيجي لضمان استقرار سلاسل الإمداد والطاقة، خصوصا في ظل التوترات المتزايدة في البحر الأحمر وشرق المتوسط..

تتزايد في الأوساط الإسبانية، خصوصا الأندلسية، مؤشرات القلق من التحولات العميقة التي يعرفها قطاع الشحن البحري في غرب المتوسط، بعد انتقال عدد من شركات الملاحة العالمية، وفي مقدمتها الدنماركية “مايرسك”، من ميناء الجزيرة الخضراء إلى ميناء طنجة المتوسط، الذي رسّخ مكانته كمحور بحري عالمي، فيما يواصل مشروع ميناء الناظور غرب المتوسط تقدمه بدعم أوروبي يناهز 300 مليون أورو.

هذه الدينامية المغربية دفعت مدريد إلى دق ناقوس الخطر بشأن ما تعتبره “منافسة غير عادلة” تهدد موانئها الحيوية.

في هذا السياق، أعلن مانويل غافيرا، المتحدث باسم حزب “Vox” اليميني المتطرف في إقليم الأندلس، أن حزبه بصدد تقديم مبادرة تشريعية في البرلمان الأندلسي تهدف إلى وقف النزيف الذي يعيشه ميناء الجزيرة الخضراء، نتيجة فقدانه لجزء مهم من نشاطه لصالح الموانئ المغربية.

وأوضح غافيرا أن الرسوم المرتفعة والسياسات البيئية الصارمة المفروضة من بروكسل تُرهق شركات الشحن الأوروبية، فيما يستفيد المغرب من دعم مالي وبنية تحتية متطورة تعزز جاذبية موانئه.

وحذر غافيرا من أن توسع ميناء الناظور غرب المتوسط بدعم أوروبي مباشر سيضاعف الأزمة، متهما حكومة خوان مانويل مورينو بونيا بتفضيل التعاون الصناعي مع المغرب على حساب الأندلس.

كما دعا إلى تحسين الربط السككي لميناء الجزيرة الخضراء، وإلغاء ما وصفه بـ”الإملاءات الإيديولوجية” القادمة من بروكسل، بما يضمن حماية تنافسية الموانئ الإسبانية.

الجدل الذي يثيره “Vox” يجد صداه في أرقام التجارة البحرية، إذ نجح ميناء طنجة المتوسط في مضاعفة نشاطه خلال أقل من عقدين، متجاوزا ميناء الجزيرة الخضراء في حجم معالجة الحاويات، ومصنفا ضمن قائمة أفضل 20 ميناء في العالم.

الصحافة الإسبانية وصفت قرار “مايرسك” بنقل عملياتها بأنه “ضربة كبيرة” ستنعكس على الصادرات الإسبانية نحو الولايات المتحدة، وعلى آلاف الوظائف المرتبطة بالنشاط المينائي في جنوب إسبانيا.

غير أن القراءة الأعمق  وفق مراقبين ، تكشف أن الأمر يتجاوز منافسة اقتصادية عابرة، إذ يعكس صعود الموانئ المغربية تحول موازين القوة في غرب المتوسط.

فبينما تراهن مدريد على “سياسات حمائية” لتخفيف الضغط، يواصل المغرب الاستثمار في موانئ ذات رؤية استراتيجية تربط إفريقيا بأوروبا وآسيا وأمريكا، وهو ما قد يجعل التوتر البحري بين الضفتين ملفا جيوسياسيا بامتياز، يتقاطع مع رهانات الطاقة، والهجرة، والهيمنة على ممرات التجارة الدولية.

المفارقة أن الاتحاد الأوروبي، الذي يشكو بعض السياسيين الإسبان من دعمه للمغرب، ينظر بدوره إلى المملكة كحليف استراتيجي لضمان استقرار سلاسل الإمداد والطاقة، خصوصا في ظل التوترات المتزايدة في البحر الأحمر وشرق المتوسط.

هنا تبرز القراءة الجيوسياسية.. كل استثمار في الموانئ المغربية هو استثمار في إعادة رسم خرائط التجارة العالمية، وتحويل المملكة إلى وسيط لا غنى عنه لأوروبا.

تراجع الجزيرة الخضراء ليس مجرد خسارة أندلسية، بل إشارة إلى أن الدور المحوري الذي لعبته إسبانيا لعقود في البحر المتوسط يواجه تحديا مباشرا من الجنوب.

والمثير أن هذا التحدي لا يأتي من صراع عسكري أو نزاع سياسي، بل من منافسة اقتصادية مبنية على الرؤية والاستثمار والاستباقية.

https://anbaaexpress.ma/zz554

عبد الحي كريط

باحث وكاتب مغربي، مهتم بالشأن الإسباني، مدير نشر أنباء إكسبريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى