آراءثقافة
أخر الأخبار

ملكة ومملكة سبأ

.. ذكرت الكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي بحثاً تفصيلياً في كتابها (سلطانات منسيات) اسماء العديد من الملكات اللائي حكمن اليمن الذي سمي سعيدا واعتبرت الجنة في عدن حسب رؤى الأقدمين

لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازب إلا الكفور.

السؤال ماهي طبيعة الكفر الذي فعلوه حتى انتهوا إلى الدمار والتمزق ومزقناهم كل ممزق. على ما يبدو وقعوا في الأخطاء الثلاث الكبرى عدم الدقة في البناء فانفجر السد، وعدم الصيانة والمراقبة فكان السيل العرم، وأخيرا شهوة التوسع فتمزقوا مع امتداد المسافات.

حتى اليوم ليس عندنا معلومات تفصيلية عن مناسبة اجتماع القمة الذي حصل بين ملكة سبأ ونبي الله سليمان عليه السلام في القدس قبل ثلاثة آلاف عام. وليس عندنا فكرة عن ظروف انهيار السد العظيم في مأرب..

كما لا نحيط بالظروف التاريخية والمناخ الاجتماعي والنفسي الذي مكن لصعود أكثر من امرأة الى سدة الحكم في اليمن منهم ملكة أخرى مشهورة اسمها أروى.

وذكرت الكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي بحثاً تفصيلياً في كتابها (سلطانات منسيات) اسماء العديد من الملكات اللائي حكمن اليمن الذي سمي سعيدا واعتبرت الجنة في عدن حسب رؤى الأقدمين.

ورأى البعض في المجتمع اليمني يوماً ما مجتمع أمومة خلافا للمجتمعات الحالية التي يتحكم فيها الذكور. ونحن اليوم بواسطة الكشوف التاريخية التي بدأت منذ فترة قريبة نعرف أن سر غنى اليمن كان بسبب البخور المستخرج صمغه من الشجر، حيث تجرح الشجرة في عدة امكنة في فصل الصيف في يوليو القائظ  وتترك ليسيل منها دمها الذي يجري على شكل عصير يتجمد مثل شمع العسل بلون ذهبي أو صمغ الراتنج فإذا احرق تصاعدت منه أبخرة كثيفة، ولشدة تعلق الناس بها فقد أمر نيرون عندما ماتت محظيته (بوبيا) أن يتم حرق المستورد منه لمدة عام كامل على قبرها.

وكانت روما تدفع من عملتها 100 مليون سسترس (مايعادل دولار اليوم) كل عام. ونعرف أن اللقاء التاريخي الذي جرى على الأغلب عام 950 قبل الميلاد بين ملكة بلقيس وسليمان وهو من أكثر اللقاءات مدعاة للأثارة وظهرت هذه المرأة وهي تملك من الحكمة واللباقة من التصرف ماخلدها القرآن بكلام في غاية الجمال، وآثرت حل الإشكال السياسي بطريقة سلمية، وحضرت بنفسها لتتعرف على سليمان، ولما تعرفت على دعوته لم تتردد في اعتناقها وتعلن خضوعها لرب العزة والجلال كما ذكر القرآن بتعبريها وأسلمت (مع) سليمان لله رب العالمين، وليس أسلمت رقبتي لسليمان.

بل إن ماجاء في القرآن عن الفاظ القوة والاستعباد على لسان الحاكم العسكري من ذبح الهدهد وسوق الجيوش ليأتوا صاغرين (الآية) ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون. أو العسكر حول الملكة أنهم اولي قوة وعضلات ولكن الفكر والقرار لها السيدة الحكيمة.

وكيف امتحنته هل هو باحث عن المال أو ثمة شيء آخر خلف استعراض العضلات الذكورية. فحملت نفسها لزيارته والتعرف عليه من كثب لترى عدلا وتفوقا تكنولوجيا من صناعة الحديد والزجاج بل وبناء قصور من صرح ممرد من قوارير.

كما أن المعلومات المتوفرة تقول أن انهيار السد العظيم كان قبل فترة قصيرة من بعثة الاسلام وذكراه مازالت طازجة في الأذهان وكان آخر انهدام قبل البعثة النبوية.

 وعكفت بعثة ألمانية حضرت الى المنطقة في ظروف صعبة من اختطاف الأجانب والحكم القبلي قد أحضرت معها معدات دقيقة للسبر وحوالي 35 باحثاً وخبيرا في الآثار بالأضافة الى خبراء في اللغة والكتابة الحميرية.

وقد تم الكشف عن ثلاث مناطق مهمة الأولى في مأرب والثانية قريبة منها في منطقة أوسان والثالثة مقبرة عوام وفي الأخيرة تم العثور على ماسموه مقبرة مانهاتن لوجود أبنية عملاقة من الطين بارتفاع عشرات الأمتار مخصصة لقبور مالايقل عن عشرين الف انسان..

ويبدو أن مأرب كانت عاصمة عملاقة في يوم من الأيام وقد صمدت حاضرة الامبراطورية وامتدت حتى ظفار وحضرموت والصومال واثيوبيا على شكل مستعمرات لها الى درجة أن الامبراطور هيلا لاسي الذي حكم الحبشة اعتبر نفسه من نسل هذه السيدة بعد 250 جيلاً .

وتطرقت مشكلة در شبيجل الألمانية الى الرحلة التي كان يقوم بها تجار البخور الى مسافة 3700 كم، وتقول أن الطرقات كلها لبيع هذه المادة الثمينة كانت صعبة جدا أو مستحيلة فلا السفن مناسبة ولا رياح البحر الأحمر الشمالية مواتية ولا الطرقات مأمونة من القراصنة وكانت الصحراء قاحلة قاتلة.

وجاء الحل من استئناس الجمل الذي يمكن أن يتحمل الرحلة لأيام بدون شرب الماء.

وكانت الرحلة تستغرق أربعة أشهر في المتوسط. وهكذا قطع التجار رحلة الشتاء والصيف يحملون هذه المادة الثمينة للوصول بها الى مكة ثم البتراء ثم غزة والاسكندرية لتتابع طريقها الى روما وأثينا في أوروبا.

وكان يباع الكيلو من هذا الصمغ بما يعادل أجرة عامل لمدة شهر. واستعملته الكنيسة للبخور في أروقتها وكذلك السحرة والمشعوذون والمنجمون. كما استخدم في التطبيب كمادة طاردة للحشرات وقاتلة للجراثيم.

والمهم أن اليمن السعيد اغتنت من وراء هذه المادة التي احتكرت انتاجها وبيعها الى العالم فضلا عن التوابل من الهند والحجار الثمينة ولآليء الخلي..

وبذا بنت امبراطورية مهمة وكانت مساحة مدينة مأرب في يوم من الأيام 110 هيكتار ماهو أضخم من مدينة طروادة التي تغنى بها هوميروس أربع مرات.

واليوم تعكف البعثات العلمية على كشف النقاب عن حضارة عظيمة مغيبة تحت الأطلال. وكما قال القرآن فمزقناهم كل ممزق وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لايؤمنون.

https://anbaaexpress.ma/0faqi

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى