جاء في الأساطير أن الثعلب تضايق يوما من تزاحم البراغيث في فروته فهداه ذكاؤه إلى طريقة ذكية يتخلص بها من الحك وبلاء البراغيث.
غطس في نهر جار وقد حمل في فمه قطعة جلد يابسة. وبهدوء وتدريجيا أدخل جسده المحشو بالبراغيث في مجرى النهار. هربت البراغيث من الماء طلبا للنجاة مثل ركاب أي سفينة تغرق يهرعون إلى أطواق النجاة.
هبط الثعلب أكثر في الماء متوخيا إظهار رأسه وقطعة الجلد اليابسة المثبتة بين فكيه.
هرعت البراغيث إلى المكان الجاف فلم تجد في النهاية إلا خشبة النجاة في قطعة الجلد الجافة بعيدا عن البلل.
وحين ازدحم موكب البراغيث فوق الجلدة غطس الثعلب الماكر برأسه وترك قطعة الجلد للماء. وهكذا بضربة واحدة ذكية تخلص من معظم البراغيث التي تعج في فروته.
إنها خطة ذكية كما نرى؟ وهو مافعله الأمريكيون في معركة الموصل مع براغيث داعش؛ فهم من صنعوهم بمباركة من بقايا مخابرات صدام المصنوع والمشنوق أصلا بأيديهم. وهم من جمعوا هذه البراغيث ليوم الحشر ليقتلوهم بيد الحقد الشعبي (عفوا الحشد الشعبي) وهم يزعقون نحن أولياء دم الحسين وسنقتل أحفاد يزيد، لقضية تعفنت بعد مرور 1300 عاما عليها بفعل تقادم أي قضية، ولكن الأساطير عندها قدرة حشد المغفلين في كل مكان، وهو نفس زعم معاوية للثأر لمقتل عثمان، وبآية من القرآن من سورة الإسراء ـ ومن قتل مظلوما فقد جلعنا لوليه سلطان ـ فقال معاوية فأنا ولي الدم ولي السلطان؟).
أو ليقتلوهم بيد أخوتهم العراقيين من جيش عرمرم بلغ ستين ألفا ويزيد، وبيد أربعين ألفا من الأكراد الذين يدعمهم أوليائهم من الأمريكيين بخيل ورجال وطائرات وخبراء وذخائر، كان ذلك كله مقابل ستة آلآف من الدواعش المتحصنين في مدينة الموصل!!
المنظر مضحك أليس كذلك، والناس يظنون أن الأمر جد وليس بالهزل فداعش دحرت دولا وهزمت الجيش العراقي وامتدت حتى بادية الشام فطحنت آثار تدمر ومعه آثار جريمة سجن تدمر الذي تفننت عائلة السنوريات (الأسد) في إهلاك أرواح عشرات الآلاف من الشباب السوري.
وهم لاينتبهون إلى أن الأمريكيين صنعوهم على عينهم، وسمحوا لهم بالتمدد، وأطمعوهم في خرافة مزعومة (عفوا خلافة). وظن هؤلاء المغفلين أنهم أصبحوا قوة عظمى، وبدأوا يوزعون الولايات بين طبرق والمخلا وتدمر ومنبج والباب في يد شباب غر يذكر بخوارج العصور القديمة.
إنها أمريكا أم السحر والحيل والتدبير.حتى إذا نضجت الثمرة، وحان قطافها، اتخذت أمريكا قرارها بالقضاء على فرانكنشتاين ودولي.
فكما خلق فرانكنشتاين من خلقه حتى تخلص منه، وكما فعل الطبيب الاسكتلندي بدوللي النعجة التي أتى بها إلى العالم على زمير ونفخ، ليقتلها بعد أن تبين أنها ضد مسار الخليقة. كذلك الحال مع براغيث داعش، فقد قامت قيامتهم، وبارت دولتهم الخرافية، وانتهى سحرهم.
مصير داعش من أكوام المغفلين من كل مكان في العالم محسوم؛ فالحرب تكنولوجيا، ولم تعد شجاعة وسيوف وضرب بالحراب. هذه النتيجة يفهمها العلماء والخبراء ويجهلها المغفلين من الشباب المسلم، وكتبت أنا فيما سبق عن (فيرنر هايزنبيرج) العالم الفيزيائي حين اجتمع بصديقه (انريكو فيرمي) وأخبره عن الحرب القادمة فوجه له السؤال عن مصيرها؟ كان جواب هذا العاقل أن هتلر سيهزم (انتبهوا؟؟ الحديث في آوجست 1945 قبل اندلاع الحرب بشهر) لأن الحرب تكنولوجيا، وهتلر يعلم ذلك، ثم عقب هذا الرجل الفهيم ولكن ياصديقي انريكو متى كانت الحرب عقلانية؟ ذلك أن الحرب حسب مفاهيمنا ـ نحن من ندعو للسلام ـ هي ثلاث جنون وجريمة وإفلاس أخلاقي، ومازال البشر يمارسونها لأنهم في التكنولوجيا في العصر الحديث، أما العقليات فمازالت في العالم القديم عالم الغابة والهراوة، كما نص على ذلك الروسي (ميخائيل غورباتشوف) في كتابه البروسترويكا.
أريد أن أقول أن معركة الموصل والرقة وبقية زعران داعش وفاحش قضى عليهم مثل براغيث الثعلب باستثناء أمر واحد سأذكره وهو الأخطر.
ومما أتذكر من خبير من حكومة كلينتون وهو رجل استخبارات حاليا قال في مقابلة له مع مجلة در شبيجل الألمانية أن القضاء على تنظيم الدولة من الجو لن يقضي عليهم.
وهكذا فقد جروا للمعركة من أبناء المنطقة هكذا تضرب عاصفة الجنون المذهبي ونعيد حروب الثلاثين عاما من أوربا في أرض الرافدين.
هكذا أتى الأمريكيون بصدام وهكذا شنقوه، وأتوا بعده بمن هو أتعس وألعن؛ فولد من رماد صدام ألف صدام؛ فلا يختلف نوري عن صالح ولا مصدوم عن صدام.
يبقى عنصر لم ينتبه له اليانكي جيدا أو هم حسبوه بطريقتهم على الحاسوب، فهو أن القتل يأتي بالقتل، وحين يدخل الجرّاح الخائب على سرطان في المعدة أو الكولون فيقص؛ قد يهيء له أن انتهى من السرطان، ليكتشف بعد أقل من سنة أن السرطان ضرب في مكان آخر فتورم الكبد، وعشعش في الرئة، ليحاول من جديد قص الكبد أو قطعة منه، ليموت صاحبنا سرطان؛ وهكذا ففكر داعش سوف يضرب المنطقة مثل السرطان فينتشر في العالم؛ فيضرب مالم يتوصل خبراء الفكر والعلم والسلم إلى اكتشاف الترياق المناسب من حقن العدل والرحمة والحب فيتعافى الجسد الإنساني.
الكل غافل عن جوهر الكون ـ إلا من رحم ربك ـ أن قواعد ثلاثة يتأسس العالم عليها، فهو كون مبني بالحق، ولم يبن غفلة ولا عبثا ولاسدى.
أنه ليس (أرخص من العدل) والأمريكيون لايملكونه؛ فهم فرعون العالم الجديد يحل المشاكل بالقتل.
وأنه (ليس أعظم من الرحمة) والأمريكييون مثلهم الأعلى جند الرومان فلا رحمة، كما فعل لورانس وهو يصيح بالعربان الذين جمعهم في أسطورة الثورة العربية المخزية أن لايبقوا أسيرا من الأتراك.
والثالثة أن (ليس أروع من الحب) في العالم، والإنسان يولد في محضن الحب في أقدس لقاء بين رجل وامرأة، والأمريكيون عندهم الحب الأعظم للدولار المتهاوي. والبلد الغارق في الدين وبيع السلاح.
العدل والرحمة والحب هذا هو مثلث الكون وعليه يقوم، ولكن كلماتنا تبقى للتاريخ، وليست باطلا وقبض الريح، ويثبتها التاريخ ويؤكدها، ولكن بعد مذابح وأنهارا من دماء، ليصلوا إلى اليقين الذي يقول: لن يصل العالم إلى السلام إلا بالحب والعدل والرحمة.