آراءثقافة
أخر الأخبار

عندما بزغت الشمس مرتين.. في ذكرى هيروشيما بعد ثمانين عاما (4-4)

الحرب اليوم لم تعد حرباً

حاليا ومع كتابة هذه الأسطر بمناسبة مرور ثمانين عاما على حريق هيروشيما 6 غشت وناغازاكي 9 غشت من عام 1945م برزت حركة تسمى نفسها (هيباكوشا = Hibakusha) حيث يقوم أحد الباحثين (نوبوهيرو ميتسوكا = Nobuhiro  Mitsuoka) بتسجيل أقوال آخر ضحايا القنبلة الذرية، تحت عنوان قدموا أروحهم ولكن أنقذوا الجنس البشري؛ فلم يستخدم السلاح الذري ثانية بعد مرور ثمانين عاما على استخدامه على الرغم من محاولة التفكير باستخدامه.

يقول المذكور أنه بقي من ذلك الجيل 99 ألف نسمة، ويموت سنويا منهم ممن تجاوز الثمانين من العمر سبعة آلاف فوجب تسجيل كل ملاحظة وذكرى منه. ونتابع في هذا الجزء تلك اللحظات الأبليسية؟

الحرب اليوم لم تعد حرباً

إن الحرب اليوم  لم تعد حرباً، هل نستطيع تصور رجلاً يمشي في المدينة طوله مائة متر ونصف ووزنه 350 كغ !! نعم قد نتصوره ولكن يصبح من غرائب العالم يسجل في (مجموعة جينيس العالمية) ؟! .

ولكن ماذا لو رأينا كائناً كما في قصة (جوليفر) أعني إنساناً بطول يصل إلى (200) متر، ووزنه (500) طن، وهو يدب بأقدام تهتز لها الأرض، الشكل شكل إنسان ولكن بحجم الديناصورات التي أنقرضت؟!  هل تبقى مخلوقات بشرية وكائنات آدمية؟ إن الديناصورات اختفت من وجه اليابسة،  وكائنات من هذا جديرة بالفناء، لإنها تحرك وحي (اركيولوجيا الانقراض)  عند الكائنات الجديدة (عفواً الإنسان الجديد). هذه هي الحرب الجديدة !! (1) .

لم يدرك السياسيون ولا العسكريون الأمريكيون كنه هذا التطور الجديد، وكانت توقعات (ليزلي جروفز = ابن الكاهن ورئيس مشروع مانهاتن لبناء السلاح الذري)  أن السوفيات سوف يحتاجون إلى (25) خمس وعشرين عاماً، قبل اللحاق بأمريكا وتطوير السلاح النوو ، ولكن وفي صيف عام 1949 صعق الأمريكيون بتصاعد الفطر النووي في صحراء (سيمي بالاتنسك) في منطقة (بوليجون)  (البلد المسلم كازاخستان الذي كان يومها تحت الحكم السوفييتي)، وانفلت السباق النووي على مصراعيه لكل من يريد!!  انطلق الأمريكيون بمشروع أشد هولاً؛ فرجعوا إلى (إدوارد تيللر) الذي كان يستخف بعمل (روبرت اوبنهايمر)  حينما كان يعمل معه في المخبر النووي في (لوس آلاموس).

كان (تيللر الهنغاراي) يرى أنه من تضييع الوقت والعبث الوصول إلى القنبلة الانشطارية،  فهي مثل (عود الثقاب) أمام قنبلة (الميجاطن = القنبلة الحرارية النووية).

قنبلة هيروشيما كانت من عيار (15 كيلو طن من مادة الــ ت .  ن . ت . TNT) في حين أن قنبلة (إدوارد تيللر) كانت من عيار (مليون طن) من مادة الـ ت . ن . ت . انطلقت امريكا بعدها فيما سمي مشروع (مايك) حيث كانت تجربة قنبلة الميجاطن شيئاً مرعباً مروعاً؛ فلقد ارتفع الفطر النووي إلى (25) كيلو متر في السماء، وانخسفت الجزيرة إلى قاع المحيط، وهلكت الحياة النباتية والحيوانية في الجزر المجاورة،  وانسلقت الأسماك طبخاً في أعماق المياه الباردة!!  كان عيار أحد القنابل حوالي (12,6) ميجاطن!!.

أبطلت القوة القوة !!

وبالطبع اندفع الاتحاد السوفييتي بكل زخمه في هذا السباق لكي يصل في النهاية إلى تفجير قنبلة (الجروباتز = قنبلة القيصر) عام 1960 بقوة بلغت (58) ميجاطن، أي أقوى من قنبلة هيروشيما بما يزيد عن ثلاثة آلاف مرة!!.

وصعق البنتاغون فبدأ يخطط لقنبلة من عيار (100 ميجاطن !!). عندها شعر الجميع أنها رحلة جنون مطبق، وعبث مدمر، وطريق مسدود الى الانتحار الجماعي، وسطر غورباتشوف كلمات متزنة للغاية في كتابه (البروستريكا) عن طبيعة التطور التاريخي الذي دلف إليه الإنسان، وطلب فهماً سياسياً يناسب هذا التطور العلمي.

وهكذا أبطلت القوة القوة.

وإذا كان مصير الدول والقوى التي مضت الطريق إلى الشوط الأخير ورجعت خائبة حسيرة،  بعد أن لمست الجدار الصاعق الحارق،  الذي لمع شواظه قبل الوصول إليه، فهو من باب أولى أن يكون درساً لكل من يريد أن يسلك هذا الطريق بأنه مغلق مسدود، وأن من يصر على دخوله سيتحول إلى هباب فحم يطير في الهواء.

سواء في الصراعات بين الدول، أو داخل الدولة الواحدة بين المجموعات السياسية. مع كل هذه الآيات البينات فإن هناك من لايزال على عقيدته أن السيفَ أصدقُ انباءً من الكتب؛  فهو خارج التاريخ والجغرافيا، ولكن لاحرج فإنه مازال هناك أناس يعيشون على (لمبات) الكيروسين، ومازالوا يستخدمون (أصابعهم) في العدِّ، وحل مشاكلهم بالفؤوس والسكاكين.

ولكن إذا أردنا معرفة العالم الذي نعيش فيه، فينبغي أن نتأمل وجهه، فالإنسان ُيعرف بمحياه ورأسه وقسمات وجهه، وليس من عقب رجليه وأخمص قدميه؟! أي من حيث وصل من خلال قواه التقدمية، وطلائعه العلمية، وهكذا فالعالم الذي نعيش فيه هو عالم الكهرباء والفاكس والكمبيوتر والرحلة إلى المريخ. الالكترونيات والروبوت. البيولوجيا الجزيئية، كما هو عالم الدخول إلى السلم.

حروب اليوم هي حروب المتخلفين 

الحروب اليوم توقفت بين مالكي المعرفة لإنهم أدركوا أن وقت حل المشكلات بالقوة انتهى، والحروب اليوم هي في عمومها حروب المتخلفين، ولكن مع هذا فإن مصيرها ونهايتها ليست بيد المتخلفين بل هي مرة اخرى بيد ملاَّك المعرفة. ولقد رأت أعيننا شيئاً  خلاباً حينما رأينا سقوط امبراطورية ملكت أعظم سلاح ملكته قوة في العالم، خرت صريعة إلى الأرض بدون حرب أو هجوم خارجي.

كما رأينا صعود قوة إلى مصاف قوة عظمى بدون أي سلاح،  الأولى هي الاتحاد السوفيتي،  والثانية هي اليابان وألمانيا.

كان الاسبان الذين دمروا حضارات أمريكا الوسطى والجنوبية يدفنون خيولهم بسرعة عندما تنفق، حتى لايكتشف الهنود الحمر أن خيل الاسبان تموت، ولكن ياترى هل نملك ذلك المستوى الرفيع من الوعي في أن نكتشف أن ذلك السلاح هو عتاد ميت!! (2).

هوامش ومراجع:

(1) يستشهد بهذا المثل صاحب كتاب (الخوف الكبير) ليصل إلى: إذ لم يعد هناك أي شبه أو علاقة بينها وبين الحروب الماضية (2) عن كتاب اكتشاف أمريكا ـ الوجه الاخر ـ  تزفتيان تودوروف ـ ترجمة بشير السباعي ـ سينا للنشر .

https://anbaaexpress.ma/3d473

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى