مجتمع
أخر الأخبار

دخول مدرسي.. بنكهة التناقض مع إصلاحات سابقة

ورقنة تتبع الدخول المدرسي في عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي..

ليلى المرجاني

في السنوات الأخيرة أصبح كل دخول مدرسي يحمل معه نوعا جديدا من التعثرات والصعوبات، والبعض منها ناتج عن اختلالات في اتخاذ القرار سواء كان متأخرا أو استعجاليا أو حتى منافيا لشروط الحكامة أو مناقضا لبعض مواد القانون الإطار.

وقد ترتبط في الكثير من الأحيان بالطابع المركزي لهذه القرارات دون معرفة دقيقة بخصائص المجال التربوي المحلي وتحدياته وتعثراته التدبيرية والتربوية.

هذه السنة الدراسية عرفت تأخر إصدار نتائج ولوج مراكز التكوين (الإدارة التربوية، المفتشين، التوجيه والتخطيط التربوي) التي لم تصدر إلا بعد الدخول المدرسي الحالي رغم أن تنظيم مباريات الولوج تم في شهري أبريل وماي من السنة الدراسية السابقة.

وتأخر تعيين الخريجين الجدد من الأساتذة ببعض الجهات إلى عشية الدخول المدرسي. فازداد ضغط العمل والتدبير الاستعجالي على مصالح الموارد البشرية ومصالح التخطيط مع ازدياد الخصاص في هيئة التدريس وصعوبة تحقيق التوازن في تدبير الخصاص والفائض مما يؤخر الدخول المدرسي في بعض المناطق أو يجعله على الأقل غير سلس ويفاقم مشكلة الاكتظاظ بالأقسام في العديد من المؤسسات التعليمية.

كما تم تسجيل تعثر إضافي في العديد من المدارس الرائدة بسبب غياب الشروط المنصوص عليها بما فيها تسليم الحواسيب والوسائل التعليمية المنصوص عليها في هذا المشروع المثير للجدل.

تأخرت أشغال بعض البناءات المدرسية أيضا لأسباب متعددة، بما فيها تلك المتواجدة بمنطقة زلزال الحوز. رغم كل هذه الاختلالات وتعثرات أخرى لا مجال لذكرها، أبت الوزارة الوصية على قطاع التعليم إلا أن تخرج علينا بمراسلتين غريبتين تشكلان تراجعا عن إصلاحات واختيارات استراتيجية أعطتها الوزارة أهمية كبرى لتطوير حكامة المنظومة التربوية تدبيريا وتربويا ورقميا.

توسيع وتطعيم الفرق المركزية والإقليمية لتتبع البناءات المدرسية بأطر إضافية رغم انتداب إشراف وتتبع الوكالة الوطنية للتجهيزات العامة لها في 2022

المراسلة الوزارية الأولى صدرت يوم 12 شتنبر 2025 وفتحت المجال للأطر الإدارية والتقنية للترشيح من أجل دعم الفرق المركزية والإقليمية وأساسا المديريات الإقليمية المتواجدة في المناطق المعنية بالزلزال (سنتين بعد الزلزال) في إعداد وتتبع تنفيذ مشاريع تأهيل وبناء المؤسسات التعليمية بالمناطق المتضررة من زلزال الحوز.

وهي بذلك تضرب عرض الحائط قرار الوزير السابق أن يتم نقل تتبع عمليات البناءات المدرسية إلى الوكالة الوطنية للتجهيزات العامة لتخفيف كاهل المسؤولين جهويا وإقليميا وليتفرغوا للشأن التربوي.

إذ تم سابقا توقيع اتفاقيات، لتحقيق هذه الغاية، بين الوكالة وكل من أكاديميتي الدار البيضاء -سطات وفاس- مكناس خلال فبراير 2022 ثم أكاديميتي سوس -ماسة ومراكش- آسفي خلال أبريل2022.

لذا نتساءل ما مآل هذه الاتفاقية وهل تم تفعيل الإشراف المنتدب لهذه الوكالة على تنفيذ مشاريع بناء وتأهيل مؤسسات التربية والتكوين يهذه الجهات وخاصة بالحوز، وهل ما زال هذا الإشراف قائما، خصوصا أن زلزال الحوز حدث سنة ونصف فقط بعد توقيع الاتفاقية بين أكاديمية مراكش آسفي والوكالة الوطنية للتجهيزات العامة.

وهل هذا التراجع -إذا حدث- لا يشكل أيضا تراجعا عن تفرغ المسؤولين بالمنظومة للشأن التربوي الذي يجب أن يبقى الهاجس الأول لكل مسؤول.

 ورقنة تتبع الدخول المدرسي في عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي

المراسلة الوزارية الثانية التي سنتطرق لها لا تمت بصلة لعصر التحول الرقمي. هذا التحول  الرقمي الذي تعيشه وتهدف لتطويره المنظومة منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي.

وكانت بدايته في مجال التخطيط التربوي وأساسا لتدبير عمليات الإحصاء المدرسي وإعداد الخرائط المدرسية، وما زالت تتطور إلى حدود اليوم مرورا بمنظومة “مسار” التي شكلت تحولا أساسيا في التدبير الإداري والتربوي داخل المؤسسة التعليمية ووصولا لمنصات رقمية أخرى يسرت العديد من العمليات على صعيد مختلف الهياكل الإدارية والتربوية.

ولكن ضدا على الأهداف والغايات التي من أجلها تم تطوير منظومة “مسار” التي استلزمت ميزانية طائلة وما زالت، فإن المراسلة الوزارية المعنية الصادرة يوم 12 شتنبر 2025 تدعو المؤسسات التعليمية إلى تجميع المعطيات الخاصة بغياب التلاميذ انطلاقا من أوراق الغياب لكل قسم لإرسالها إلى المديريات الإقليمية التي يجب أن تستثمر معطيات مجموع المؤسسات التعليمية التابعة لها لترسل بعض مؤشرات التتبع لغياب التلاميذ والأساتذة معا بدورها للأكاديمية الجهوية، علما أن بعض المؤشرات المطلوبة في هذه المراسلة تبقى غامضة من حيث التعريف وطريقة ووتيرة ومستوى حسابها.

ثم تقوم الأكاديمية بنفس العملية جهويا لإرسال المعطيات والمؤشرات للوزارة ابتداء من 15 شتنبر 2025. كل هذا العملية الثقيلة يتم تدبيرها بهذا الشكل البدائي الذي يعود بنا إلى ما قبل البرنامج الاستعجالي.

بينما كان يمكن استعمال مكون غياب التلاميذ بمنظومة مسار الغنية بالبيانات والمعطيات، وتطوير أدواتها ومؤشراتها إذا اقتضى الحال من أجل الاستجابة للمطلوب بدقة.

وتجدر الإشارة إلى أن منظومة “مسار” حصلت على عدة جوائز وطنية مرتبطة برقمنة الإدارة المغربية، ولكنها ما زالت لحدود الساعة لا تستثمر كل بياناتها بالشكل الناجع لتحقيق حكامة في التخطيط والاستشراف والتقييم والتدبير التربوي.

بل حتى الولوج لها ليس مقننا بشكل مؤسساتي شفاف حسب متطلبات وحاجيات مختلف الأطر والمسؤولين. بينما من المفروض أن يلجأ العديد من هؤلاء الأطر إلى قواعد بيانات منظومة “مسار” بشكل يومي وآني حسب الحاجة لممارسة مهامهم واتخاذ قرارات صائبة وناجعة، وعليهم أيضا أن يقوموا بالمساهمة في تتبع وتدقيق قواعد بياناتها واستثمارها وتقييمها وتقويمها من أجل تجويدها لتصبح أداة ناجعة للمساعدة في اتخاذ القرار.

ولكن التجربة أبانت أنه يكفي أحيانا أن لا يكون المسؤول الإقليمي أو الجهوي عن منظومة الإعلام مكتمل الوعي بأهمية وضرورة توفير هذه البيانات بشكل آني لاتخاذ القرارات الصائبة والناجعة، لكي يصعب الولوج لقواعد المعطيات لمسار بشكل ناجع.

بل أكاد أجزم أن العديد من الساهرين على تطوير منظومة مسار مركزيا، وأتكلم عن تجربة، ليسوا ملمين بشكل كامل بمهام وأدوار مختلف المصالح أو الأطر العاملين بالمنظومة، وبالتالي لا علم لهم بدواعي وحاجيات وأوجه استعمالهم هذه المنظومة.

وقد أبانت التجربة أن العديد من المسؤولين المركزين لا يلمون بكل ما تتيحه منظومة “مسار” والمنظومات الرقمية الأخرى من معطيات وبيانات فيستمر في مراسلة الأكاديميات والمديريات ورقيا للحصول على معطيات ومؤشرات تتيحها منظومة “مسار”

كما أن بعض هؤلاء المسؤولين يتحجج بكون منظومة “مسار” تعاني من عدم مصداقية بعض المعطيات لأن العديد من بياناتها لا يتم تحيينها عند كل تغيير، أو لا يتم مسكها بشكل دقيق أو بشكل واع بمدى تأثيرها في اتخاذ بعض القرارات.

إذا كان الأمر كذلك، فالأحرى بالوزارة أن تعمل على الحث على التواصل أفقيا وعموديا بشأن كل ما تتيحه هذه المنظومة لكافة أنواع الأطر ومدى أهمية جودتها في ضمان حكامة القرارات المتخذة والتدابير المبرمجة. كما يجب عليها أن تبحث عن حلول رقمية وتدبيرية لضمان دقة أكبر وآنية أنجع لقواعد بيانات “مسار”.

ولا يمكن أن ينجح هذه الأمر دون استشارة المختصين بالميدان والمستعملين للمنظومة بكافة مكوناتها ومجالات استعمالها لأنهم يحملون في جعبتهم العديد من الحلول والمقترحات بحكم قربهم من الواقع المدرسي والإداري والتدبيري بالمؤسسات التعليمية وأيضا مطلعين على أوضاع التلاميذ المتباينة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا ومجاليا ونفسيا.

وسيكون مفيدا أيضا وبشكل كبير أن يتم العمل على توعية وتحسيس المكلفين بتجميع المعطيات ومسكها بالمؤسسات التعليمية أو بالجمعيات الشريكة التي تعمل بالتعليم الأولي أو بالتمدرس الاستدراكي أو التربية الدامجة، بأهمية وتأثير قواعد معطيات “مسار” في تجويد حكامة التدبير التربوي والإداري وتقاسم مجالات وحيثيات استعمالها في مجالات  دراسة وتقييم وتقويم المنظومة التربوية وفي التخطيط الاستشرافي  للمنظومة وتحديد وفي اتخاذ قرارات وازنة ومؤثرة.

يبقى التحدي الذي تواجهه الأنظمة الرقمية للوزارة هو ضمان دقة أكبر (fiabiliser la data) لقواعد البيانات والمعطيات التي يوفرها “مسار” وتكريس انسيابية حقيقية في عمليات تحيينها، وقبلها تحديد أدق لتعاريف كل المعطيات والمؤشرات ولكيفية حسابها والغاية منها مع وضع لائحة تحين دوريا الأطر أو المصالح المعنية  متضمنة لمختلف أنواع البيانات التي يحتاجونها.

وإلا لن يكون التحول الرقمي ناجعا في تحقيق كل الغايات الاستراتيجية منه وستبقى الأنظمة المعلوماتية وخاصة “مسار”  أنظمة للتدبير اليومي للعمليات  التربوية للمؤسسة التعليمية.

وستبقى مراسلات غريبة في هذا العصر الرقمي تصدر عن مسؤولي الوزارة. فعملية كهاته التي تنص عليه هذه المراسلة الوزارية من تجميع للمعطيات من المؤسسة إلى المديرية إلى الأكاديمية ثم إلى الوزارة تشكل هدرا للوقت وللوسائل وتتطلب تشغيل أو بالأحرى إشغال موارد بشرية غارقة حاليا في تدبير مشاكل الدخول المدرسي يوميا ولا مجال لذكرها.

كما تطرح هذه المراسلة التي تسطر كغاية منها الحفاظ على الاستفادة القصوى من زمن التعلم  عبر تتبع المواظبة خلال الأيام الأولى لانطلاق الدراسة، تساؤلا أساسيا وهو كيف يمكن لإرسال معطيات أوراق الغياب ومؤشرات تتبع غياب التلاميذ والأساتذة من المؤسسة إلى المديرية إلى الأكاديمية إلى الوزارة، أن تحقق غاية الحفاظ على زمن التعلم للمتمدرسين.

هل الأمر متعلق بتجميع معطيات وحساب مؤشرات فقط، أم بحث عن حلول آنية، وهو أمر يصعب أن يتم بشكل مركزي، أم هو لإرسال رسالة للأسر المغربية أن الوزارة تراقب وتتحكم في الوضع وتتابع عن كثب احترام الزمن المدرسي لأبنائهم، وتوصيل رسالة للعاملين بالميدان بأنهم “مراقبون” و”تخويف” هيئة التدريس والأطر الإدارية بالمؤسسات التعليمية على افتراض أنهم المسؤولون عن ضياع زمن التعلم التي تريد المراسلة القضاء عليه.

وهو افتراض غير صحيح في أغلب الحالات، لأن ضياع زمن التعلم خلال الدخول المدرسي ظاهرة معقدة ومركبة ومرتبطة بالعديد من المتغيرات والأسباب والاختلالات من داخل ومن خارج المنظومة، ويحتاج لدراسة علمية رصينة تحت إشراف أهل الميدان من أساتذة ومختصين تربويين واجتماعيين وأطر التوجيه والتخطيط التربوي ومفتشين تربويين، من أجل تمحيص أسبابها ومظاهرها وتحديد حلول فردانية ناجعة لكل سلك ولكل وسط وكل إقليم، ولكل حالة اجتماعية أو تربوية أو اقتصادية، ولكل متغير أو مركب من المتغيرات والاختلالات.

لذلك، بالإضافة لكون أن مضمون المراسلة يشي بتراجع إلى الوراء عن التحول الرقمي المنشود وتقهقر من الرقمي إلى الورقي، فهو أيضا دليل على إمعان في الإفراط في المركزية وقصور ثقة الوزارة في قدرة المسؤولين والأطر جهويا وإقليميا ومحليا على تدبير الدخول المدرسي.

وتجدر الإشارة إلى أنه ليس هذا المظهر الوحيد لتراجع تدبير الوزارة الوصية نحو المركزية. والأمر في وضعيات عديدة يتجاوز الدخول المدرسي ليصبح القرار ممركزا في العديد من العمليات الإدارية والتربوية الأخرى.

وإصرار الوزارة على مركزية مجموعة من القرارات وتراجعها عن العديد من مظاهر الحكامة التي تم سابقا تنزيلها، وكذلك إصرارها على عدم تنزيل العديد من المواد بالقانون الإطار المرتبطة بهذا الشأن وبشأن العديد من النقط الأخرى، أصبح يشكل عائقا كبيرا لتحقيق النجاعة والجودة المطلوبة.

ولعل الأمر مرتبط أيضا بإشكالية أخرى تتمثل في أن الهيكلة الجديدة للوزارة التي خرجت للوجود منذ أكثر من عام تحت إشراف الوزير السابق الذي اعتمد على مكتب دراسات للقيام بذلك (ومكاتب الدراسات بالوزارة قصة طويلة أخرى)، لم يتم تنزيلها إلى الآن بالشكل المنصوص عليه.

كما أن هناك تداخلا في المهام بين العديد منها والمتمعن في مهام كل مديرية سيدرك ذلك بشكل واضح. بالإضافة إلى أن العديد من المديريات المركزية المحدثة لا تمارس مهامها لحدود الساعة لأن هذه المهام ما زالت موزعة حسب الهيكلة السابقة، وأن العديد من المسؤولين المركزيين يشغلون مناصب عدة في آن واحد وبمديريات متعددة مما يشتت المجهود والتركيز ويقلص الحكامة، هذا إذا كانت هناك أصلا نجاعة وحكامة لدى المسؤول!… كل هذا يعمق إشكالية التنسيق بين المديريات المركزية بشكل أكبر مما كان مشارا إليه سابقا في العديد من التقارير الوطنية.

وفي انتظار “جودو”، كما عنون الكاتب الأيرلندي “صمويل بيكيت” مسرحيته التي تعتبر من روائع مسرح العبث، كل عام مدرسي وأطر التربية والتعليم بخير، وكل عام ودخولنا المدرسي أقل تعثرا ومنظومتنا التربوية أقل سوءا ومسؤولونا أكثر غيرة على المنظومة وأكثر وعيا بحدة تأثير المنظومة التربوية وثقل مسؤولية مخرجاتها على مستقبل هذا الوطن..

* أستاذة مكونة بمركز التوجيه والتخطيط التربوي 

https://anbaaexpress.ma/j55vv

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى