رجاء فضايل
الأمومة وان كانت غريزة بيولوجية تسكن أعماق الكائن الحي، وسيرورة تضمن استمرار النوع، إلا أنها وفي الحقيقة تنبع من خوف عميق بالوحدة، بالعزلة، بالفناء بمفردك، تلك الرغبة الجامحة من أن يتم الإعتراف بك وبقدرتك على العطاء الجسدي المادي، ان تمنح الحياة لكآئن آخر وأن ترى امتداد لذاتك عبر نسخ متعددة..
هذا الشعور وان بدى بديهيا في عالم الاحياء، إلا أن قواعد المجتمع تفرض عليه نوعا من التقديس، أن تكوني اما فهو تشريف لك، الدرع الذي يحميك من الإقصاء الاجتماعي، ومن النظرات اللئيمة، لاخريات إنجازهن الوحيد هو الإنجاب، الأمومة التي تجعلك أكثر قبولا والاجدر بالاحترام، عن اخريات عاجزات، أو رافضات لهذا الدور لأسباب متعددة، أليس رفض الأمومة أفضل بكثير من شعور مؤقت ونشوة الانتصار على الزمن، لكن تبعاته النفسية تدوم مدى الحياة، تجبر هذا الكائن على التساؤل لاحقا من أنا وماذا أفعل هنا، وما الغاية من وجودي !!!
هذا التعلق المفرط بالغرائز، لا يجعل منك فقط نسخا مكررة في الشكل بل وفي الوعي المتدني ايضا، لطالما سمعنا عبارات من قبيل “ولد اصغري لكبري”.. الجملة التي تحمل في صميمها رغبة التعلق بكائن آخر بمجرد انك منحته الحياة في مرحلة ما، هنا الإنجاب أصبح وسيلة لتعزيز بقائك، وتشبتك بالحياة عبر ذات اخرى منفصلة عنك، وعن احلامك التي ربما لم تحققها، وتسقطها كلها في كائن آخر، ونيتش عبر عن ذلك في تأملاته الفلسفية أيضا: نحن نستسلم للفوضى التي تعترينا داخليا، كومة من العقد و الإحباطات، والقلق النرجيسي، تدفعنا للإنجاب خشية ان يطمس وجودنا في غياهب النسيان..
رغبة الأمومة حتى وان نبعت من رحم العطاء والألم، إلا انها تخفي ورائها أنانية غريزية تضع الطفل في عبئ الحياة، دون أدنى إرادة منه، وهنا أضع وبشدة اصبعي موضع الجرح، كيف لي ان أعيش أيضا تجربة المتعة والألم، دون أن أتسبب بألم كائن آخر..
كيف نوازن بين رغبات العقل
الواقعية، ورغبات اللاوعي الأنانية التي تتشابك لتجعلك تائها بين التردد واليقين. هذا التعقيد الذي تحمله النفس البشرية عبئ وثقل اضافي أخشى أن أمرره بدوري أيضا..
وفي الأخير أقول لطفلي الواحد الوحيد.. أنت في نعيم العدم.. ما لم أجد أبا حقيقيا لك، وأصلح ماتبقى من أعطاب الحياة بداخلي..





تعليق واحد