آراءثقافة
أخر الأخبار

الفن المصري.. ريادة متجذرة ومكانة خالدة في وجدان الأمة العربية

الفن المصري ليس مجرد تراكم إنتاجي، بل منظومة ثقافية متكاملة صنعت الوعي العربي وأثرت وجدانه..

هند الصنعاني 

منذ قرون طويلة، ارتبط اسم مصر بالنهضة الثقافية والفنية، حتى أصبح شعار “مصر أم الدنيا” حقيقة راسخة لا يختلف عليها اثنان، فالفن المصري، بمختلف أنواعه، لم يكن مجرد إبداع محلي، بل كان جسرا للتواصل الحضاري، ومنبرا لتشكيل الوعي العربي الجمعي، ومصدرا لإلهام أجيال متعاقبة في شتى أنحاء الوطن العربي.

يأتي الغناء والموسيقى في مقدمة إسهامات مصر الفنية، إذ كانا بمثابة الأوكسجين للوجدان العربي، فقد جسدت الأغنية المصرية مدرسة متكاملة جمعت بين الأصالة والتجديد، كانت أم كلثوم، كوكب الشرق، أكثر من مجرد مطربة، لقد تحولت إلى ظاهرة ثقافية وحدت العرب من المحيط إلى الخليج على نغماتها، وصارت حفلاتها حدثا استثنائيا ينتظره الملايين، أما موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، فقدّم رؤية متفردة للأغنية العربية عبر مزج الكلاسيكية بروح الشرق، فخلد ألحانا جعلت الفن المصري في مصاف العالمية، وإلى جانب هؤلاء، أضفى صوت شادية الدافئ، وحنجرة عبد الحليم حافظ، مذاقًا خاصا للأغنية، بينما قرّب محمد رشدي وأحمد عدوية الفن الشعبي من قلب الشارع العربي، ليظل الغناء المصري انعكاسا للهوية وجسرا للوحدة الثقافية.

أما السينما المصرية، فقد كانت بحق “هوليوود الشرق”، فمنذ بدايات القرن العشرين، احتلت موقع الريادة عربيا، وقدمت آلاف الأفلام التي لم تقتصر على الترفيه، بل كانت مرآة للمجتمع، وناقشت قضاياه الكبرى مثل الحرية والعدالة الاجتماعية والحب والهوية، وبفضل نجومها الكبار مثل محمود ياسين، نور الشريف، عادل إمام، يحيى الفخراني، محمود عبدالعزيز، وفريد شوقي، أصبحت السينما المصرية جزءا أصيلا من الذاكرة الجماعية العربية، ووسيلة لفهم الذات عبر الفن.

حمل المسرح المصري رسالة التنوير منذ انطلاقته، فكان مدرسة للفكر والوعي، عبر عروضه وأعماله، ناقش قضايا الحرية والسلطة والمجتمع، وبرزت أسماء لامعة مثل سميحة أيوب ، محمد صبحي، نجيب الريحاني وغيرهم ممن جعلوا من الخشبة مساحة للحوار مع الجمهور العربي، لتظل مصر المنارة التي تلهم وتثقف عبر فنونها المسرحية.

ولا يقل الأدب المصري أهمية عن باقي الفنون، فقد شكل بدوره جزءا محوريا في المشهد الثقافي العربي، والرواية المصرية على وجه الخصوص صنعت أمجاد الأدب العربي الحديث، إذ نقلت تفاصيل المجتمع المحلي لتصبح مرآة للواقع العربي كله، فقد استطاع نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل، أن يجعل الحارة المصرية رمزا إنسانيا عالميا، بينما جسد إحسان عبد القدوس بقلمه قضايا المجتمع والمرأة والسياسة بجرأة قل نظيرها، ففتح الباب أمام نقاشات واسعة امتدت من القاهرة إلى كل العواصم العربية.

يظل ما يميز الفن المصري هو قدرته على تجاوز الحدود الجغرافية ليصبح ملكا للعرب جميعا، فقد انتشرت الإذاعة المصرية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي كصوت للعروبة، ثم جاءت المسلسلات المصرية في الثمانينيات والتسعينيات لتحتل شاشات البيوت العربية، فيما واصلت الأغاني والأفلام المصرية ترسيخ حضورها حتى يومنا هذا، وبفضل ذلك، أصبحت اللهجة المصرية مفهومة ومحبوبة في كل بيت عربي، وصار الإبداع المصري مرادفا للجودة والخلود.

إن الفن المصري ليس مجرد تراكم إنتاجي، بل منظومة ثقافية متكاملة صنعت الوعي العربي وأثرت وجدانه، من الموسيقى إلى السينما، ومن المسرح إلى الأدب، ستظل مصر قلب الإبداع العربي النابض، وفنها الخالد علامة فارقة في مسيرة الثقافة العربية والإنسانية على السواء.

https://anbaaexpress.ma/gmuym

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى