آراءسياسة
أخر الأخبار

العلاقات المغربية الإماراتية.. أكبر من أن ينبش فيها نظام مارق

لم ينتبه النظام الجزائري ولو لحظة أن سحره قد انقلب عليه. أراد أن يسيء للمغرب فإذا به قد أساء لنفسه. والمكر لا يحيق إلا بأهله.

إن كان هناك ما هو إيجابي في الحملة الإعلامية المسعورة التي انطلق فيها النظام الجزائري نكاية في المغرب، فهي أن هذه الحملة قد كشفت لنا عن مواجع ذلك النظام والانكسارات التي تؤرقه في هذه المرحلة بالذات.

حملة أقل ما يقال فيها أنها أخرجت كل الخبائث التي ترسبت في الأحشاء. لم ينتبه النظام الجزائري ولو لحظة أن سحره قد انقلب عليه. أراد أن يسيء للمغرب فإذا به قد أساء لنفسه. والمكر لا يحيق إلا بأهله.

حملته الإعلامية، وهو مشكور عليها، يقول لنا لسان حالها أن النظام الجزائري قد انهزم دبلوماسيا في محاصرة المغرب وكان من نتائج ذلك أن دخل هذا النظام في عزلة مقابل ما حققه المغرب من علاقات ثنائية منفتحة ومتينة مع العديد من الدول عربية كانت أم غربية أو إفريقية بما فيها قوى وازنة من آسيا.

وأصبح المغرب بحكم تلك العلاقات علامة فارقة لكي يعتد به كقوة لها احترامها ووزنها إقليميا ودوليا. ولأن هذا الوضع، كما يراه النظام الجزائري، قد جعل منه حلقة ضعيفة يحول بينه وبين مخططاته الشيطانية.

وما دام هذا هو هاجسه في الظرفية الراهنة، ارتأى أن يهاجم المغرب من خلال محاولة الإيقاع بينه وبين حلفائه بالتشكيك في تلك العلاقات بواسطة إعلام مفضوح.

وقد اختار  النظام الجزائري أن يشوش على علاقة المغرب بفرنسا من جهة، وقد انكشف أمره وفشل في ذلك، ومن جهة أخرى حاول عبثا أن ينبش في العلاقة النموذجية بين الرباط وأبو ظبي. 

بخصوص حملته الإعلامية التي أراد بها النيل من العلاقات المغربية الفرنسية عبر إعلام يساري مأجور قد كشفنا في حينه عن خبثها في مقالين سابقين نشرا على أوسع نطاق،  ووقفنا على حقيقة واحدة لا مجال للتأويل فيها وهو أن النظام الجزائري هو الذي كان بالفعل رئيسا لتلك الجوقة.

وفي حمأة هذه الحملة لم يمهل النظام الجزائري نفسه مهلة للتنويم أو النسيان حتى لا ينكشف أمره، بل سارع في سباق وتنافس بينه وبين الأرانب التي استأجرها لكي ينتقل بالتشكيك في العلاقات المغربية الإماراتية.

الخيط الناظم في تلك الحملة جمع في استهدافه فرنسا والإمارات المتحالفان مع المغرب واللذين برى فيهما النظام الجزائري كبلدين معاديين له لا لشيء سوى أتهما في علاقة جيدة مع المغرب. ولذاك، ليس من باب الصدفة أن يكون هذان البلدان مشمولان بتلك الحملة ما لم يكن ذلك النظام من ورائها.

محاولته اليائسة البئيسة عبر النبش في علاقات المغرب بالإمارات، استقطب ضدها النظام الجزائري بعض المشردين الذين تقطعت بهم السبل مؤهلين لكي يكونوا مأجورين محصنين  في دول مشتراة أصلا بمال جزائري، وهو ما يؤكد أيضا ضلوع النظام الجزائري.

 “جبروت” أو غيره مهما اختلفت التسميات ماهي إلا دمى الكراكيز التي تتحكم فيها أصابع النظام الجزائري. هذا المدعو “بالجبروت” ليس إلا مرآة لطاغوت جزائري اسمه الجنرال شنغريحة، وفي وارد المؤكد أن ما حملته لنا تلك الدعاية المكشوفة ما هو إلا لسان حال النظام الجزائري الذي لا يتوقف عن مهاجمته ما يصفه “بالمخزن”، وليس كذلك صدفة أن يقحم “جبروت” رجالا أعزاء من دولة الإمارات للتسلل من خلالهم في ضرب العلاقات بين البلدين الشقيقين.

هذه العلاقة عصية على النظام الجزائري التي أرسى أسسها المرحوم الملك الحسن الثاني  وشقيقه المرحوم الحكيم الشيخ زايد، وما حب شيوخ الإمارات وامرائها للمغرب ما هو إلا نتاج تربية، فالمساس بهذه العلاقات هو أكبر بكثير من أن يعبث بها نظام مارق، وحملته الهوجاء لم تقف عند حدود إسقاط القناع عن وجهه ، بل تجاوزتها إلى إسقاط سرواله.

كما أن حملة النظام الجزائري لم تكتف بترويج أكاذيب لا يقبل بها معتوه ولا عاقل من قبيل أن الإمارات تشن حربا سيبريانية على المغرب، بل مضت في غلها و في تحاملها على تلك العلاقات بعد أن ادعت أن أبو ظبي لا تنظر بعين الرضى تماما للسياسة التي ينهجها المغرب تجاه غرب إفريقيا وتجاه عموم القارة السمراء.

الادعاء الأول كما هو الثاني مردود عليهما بحكم الثقة بين بلدين شقيقين وبحكم العلاقات المتجذرة والتاريخية والتي تضعهما في مصاف العلاقات النموذجية أو ما ينبغي أن تكون عليه العلاقات العربية.

بخصوص الحرب السيبريانية هي حرب لا توجد إلا في عقلية حكام الجزائر، وهم يراودهم وحلم يتمنونه اليوم ساعة تلو الأخرى، وللرد على ذلك البهتان يكفي القول أن التعاون الأمني والعسكري بين بلدين شقيقين تعاون أقل ما يقال فيه أنه تعاون بين الذات والروح التي تسكنها، لا شيء يستوجب حربا سيبريانية بين الأجهزة الأمنية والعسكرية والمخابراتية التي تشتغل فيما بينها وكأنها من بلد واحد، وإذا لم يكن النظام الجزائري غير واع بذلك فتلك خطيئته وما ذنب المغرب والإمارات في ما عليه هذا النظام من جهالة.

أما عن السياسة الإفريقية التي يتبعها المغرب، فإننا لا نفشي سرا إن نحن أكدنا للنظام الجزائري أن التعاون بين المغرب والإمارات هو تعاون شامل لكل القطاعات سواء على المستوى الثنائي أو على مستوى التنسيق المشترك في مجال الاستثمارات على صعيد غرب إفريقيا وعلى مستوى دول الساحل بخصوص كل ما له صلة بالمشاريع الاستراتيجية الكبرى كأنبوب الغاز وتنزيل المبادرة الملكية لفائدة الدول المحاصرة من ولوج الأطلسي.

هذا التعاون مبني على رؤية واضحة وقناعة راسخة مشتركة تشدد على أن التعاطي مع الدول الإفريقية أساسه هو البناء على قاعدة “رابح رابح”، كما أن سر نجاح هذا التعاون يكمن في مبدإ التكاملية بين ما يقدمه المغرب من رصيد تاريخي سياسي وديني في العمق الإفريقي ومن خبرة ومصداقية وثقة، وما بين ما تقدمه الإمارات من ٍرأسمال في مشاريع ضخمة سواء على مستوى البنيات التحتية أو في مجالات متعددة تشمل مختلف أوجه الاستثمار.

التجربتان المغربية والإماراتية كلاهما تكمل الأخرى لتجعل منهما قوة ضاربة في السوق الإفريقية قادرة على المنافسة وإيجاد مكانة لها بين القوى العظمى المتنافسة على ما تقدمه إفريقيا من آفاق واعدة ورحبة لا يجد فيها النظام الجزائري مكانا له ولو قيد أنملة بسبب عزلته المحلية أو الإقليمية، أكثر من هذا وذاك اهتزاز الثقة به بعد أن أصبح لا يؤتمن جانبه.

وليس غريبا أن يخرج علينا النظام الجزائري غدا أو بعد غد بحملة إعلامية أخرى يحاول أن يشوش فيها على العلاقات المغربية الموريتانية التي تسلك طريقها نحو إعادة نواكشوط إلى مكانتها الطبيعية والتاريخية في علاقتها مع المغرب، وإن أقدم النظام الجزائري على ذلك فتلك آية أخرى من آيات المكر والخديعة، ونحن لا نستبعد ذلك لأن الأوراق القذرة مع موريتانيا  التي يلعبها النظام الجزائري أصبحت مكشوفة ولم تعد خافية على أحد.

وبالأمس كانت سياسته تتأرجح ما بين العصا والجزرة، أما اليوم قد يجد النظام الجزائري نفسه ملزما على استخدام ما تبقى أمامه من هامش مناورة محصورا في ما هو متاح له من حملة إعلامية لعلها قد تؤتي أكلها، فما حصده نظام الكابرانات من هزائم على مدار خمسين عاما كيف له أن يعوض عن ذلك خلال ما تبقى من أسابيع Game Over معدودة لإغلاق القوس أو ما يسمى بالإنجليزية.

https://anbaaexpress.ma/zh5ko

لحسن الجيت

كاتب ودبلوماسي مغربي سابق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى