“من لم يشكر الناس لم يشكر الله”، بهذا المعنى النبوي العميق يتجلى الدرس الأول من مشهد إنساني مؤثر عاشته مدينة أجدير بالحسيمة، حيث تمكّن المعتقل ناصر الزفزافي، المحكوم بعشرين سنة سجناً على خلفية “حراك الريف”، من إلقاء النظرة الأخيرة على والده أحمد الزفزافي الذي وافته المنية بعد صراع طويل مع مرض السرطان.
خطوة استثنائية أقدمت عليها الدولة المغربية، حين نقلت الزفزافي من سجن طنجة 2 إلى الحسيمة في بادرة إنسانية لاقت إشادة واسعة من المواطنين، بعدما سبق أن سمحت له أيضاً بزيارة والده خلال فترة مرضه.
وهي إجراءات تؤكد أنّ البعد الإنساني في السياسة العقابية حاضر بقوة، وأن الدولة لا تغفل قيم التضامن والرحمة في محطات الألم والفقدان، بما ينسجم مع روح الدستور المغربي والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
خلال كلمته في جنازة والده، اختار ناصر الزفزافي أن يوجّه رسالة عميقة الدلالة، إذ أكد أنّ حضوره لم يكن أمراً يسيراً، لكنه تحقق بفضل جهود إدارة السجون ومندوبها العام، قائلاً: “الأمور لم تكن بالسهولة التي قد يظنها البعض، لكن المندوب العام قام بمجهود كبير، وتعاون مع أطراف أخرى إلى آخر لحظة لتمكيني من الحضور بينكم اليوم”.
الأهم من ذلك، أنّ الزفزافي وضع النقاط على الحروف بقوله: “لا أقصد بالوطن الريف فقط، بل كل شبر من هذا الوطن، من شماله إلى جنوبه..، ولا شيء يعلو فوق مصلحة الوطن رغم الخلافات”.
كلمات تختصر وعياً حقوقياً وسياسياً ينحاز لوحدة الوطن واستقراره، بعيداً عن الاصطفافات الضيقة، وتجعل من حب الوطن واجباً أخلاقياً وحقوقياً في آن واحد.
لحظة إلقاء ناصر الزفزافي كلمته
سليمان الريسوني.. من عفو ملكي كريم إلى أحضان بلد يعادي المغرب
في المقابل، وفي حين يختار البعض مثل الزفزافي خطاب الوحدة والتلاحم، نجد أصواتًا نشازًا كالمسمى سليمان الريسوني، الذي استفاد من عفو ملكي كريم، لكنه قابل اليد الممدودة بالحقد والتهجم على الدولة، متنقلاً بين مواقع معروفة بعدائها للمغرب وتورطها في أجندات ممولة من المخابرات الجزائرية، محاولاً تسويق صورة مظلومية زائفة.
والأدهى، أنه اختار الاستقرار في بلد مغاربي سياسته الرسمية معروفة بعدائها الصريح للمملكة المغربية ووحدتها، وهو ما يكشف حجم المفارقة بين من يدّعي الدفاع عن الحرية والحقوق وبين من يكرّس حياته للهجوم على وطنه والانخراط في أجندات معادية لوحدته الترابية.
إنّ الخط الفاصل اليوم بات واضحاً بين من يستوعب أنّ الحقوقي الحقيقي هو من يعمل من أجل مصلحة بلده أولاً، ويعبر عن نقده بموضوعية وباحترام للرأي العام، وبين من يستغل شعارات الحرية والحقوق لابتزاز الدولة والترويج لمغالطات خطيرة تخدم أجندات أجنبية.
فالحقوقية ليست شعاراً للمتاجرة، وإنما مسؤولية أخلاقية تقتضي النزاهة والالتزام بالمصلحة العامة.
المملكة المغربية قوية بأبنائها، راسخة بوحدة صفها، وتزداد مناعة بقطع الطريق على “إعلام الصرف الصحي” الذي يقتات على الإساءة، مقابل دعم الإعلام الجاد والهادف الذي يساهم في بناء الوعي وترسيخ قيم المواطنة والكرامة، لأن الحق في الإعلام النزيه والهادف جزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان.
خلاصة القول، تصريحات ناصر الزفزافي من جنازة والده لم تكن مجرد لحظة عاطفية، بل تحوّلت إلى رسالة وطنية وحقوقية عميقة، أظهرت أنّ مصلحة الوطن فوق كل الخلافات، وأن التضامن الإنساني من صميم قوة الدولة.
وفي المقابل، فضحت هذه اللحظة زيف “معارضين” لا همّ لهم إلا التشهير بوطنهم، حتى ولو تحالفوا مع أعداء وحدته الترابية واختاروا العيش في بلدان تعادي المملكة المغربية.
ناصر الزفزافي بأجدير لوداع والده إلى مثواه الأخير
تعليق واحد