آراء
أخر الأخبار

إلى الهاوية..

«الجهل المقدس» و«غسيل الأدمغة» يقدمان دليلاً على ما تبثه بعض التلفزات والإذاعات الرسمية من تتويج للجهل..

الصديق معنينو

كعادتي كل صيف، أختار من خزانتي ما أطلع عليه من المؤلفات لقراءتها في محاولة لملء فراغ أحرص دائماً على أن يظل ساعة ارتخاء وتأمل.. غير أنني هذه السنة سئمت من الخزانة وكل ما تحتويه من كتب ومجلات ووثائق وصور عجزت على تنظيمها، لذلك بحثت عن مؤلفات لا توجد بحوزتي.. ولم يكن اختياري اعتباطياً بل استعداداً لمؤلف جديد أنا بصدد جمع مكوناته.

الاختيار

اخترت أولاً «الجهل المقدس» للكاتب الفرنسي أوليفي روا، وهو عالم متخصص في الشؤون الإسلامية، مطلع على السياسة، ومهتم بأزمة الثقافات والتحولات والضغوطات التي فرضتها العولمة. عنوان الكتاب استفزني ففضلت قراءته.

أما الكتاب الثاني فهو بعنوان: «الأدمغة: تاريخ التحكم في العقول» للكاتب البريطاني دنيا بيك، وهو أستاذ جامعي وله عدة مؤلفات. الكتاب يحكي عن الوسائل المستعملة من طرف الأنظمة الشمولية لتطويع وترويض شعوبها، وقدّم نماذج تاريخية منبّهاً إلى استمرار التحكم في الأفراد والمجتمعات في عدد من الدول.

طوابير طويلة

عندما أجمع بين «الجهل المقدس» و«غسيل الأدمغة» أجد نفسي مطلاً على آخرين يقدسون الجهل ويرفعونه إلى درجة «استراتيجية دولة» في إطار منهجية جديدة للتحكم في شعب له الكثير من الغنى والموارد الطبيعية لكنه يعيش في ضائقة دائمة وطوابير طويلة بحثاً عن مواد استهلاكية عادية لا تنتبه إلى وجودها شعوب أخرى.

خرافات ووعود

«الجهل المقدس» و«غسيل الأدمغة» يقدمان دليلاً على ما تبثه بعض التلفزات والإذاعات الرسمية من تتويج للجهل.

• يرددون مثلاً أن مكة والنبي محمد ﷺ كانا بالجزائر قبل أن يرحلا إلى المشرق.

• ويؤكدون أنهم علموا اللغة العربية لسكان جزيرة العرب.

• وأن لديهم معدناً نادراً لا يوجد إلا في الجزائر وكوكب المريخ.

• وأن الأمريكيين وضعوا دستورهم خوفاً منهم، وأنهم أول من اعترف بأمريكا، وأن الثورة الفرنسية من بنات أفكارهم.

هذه البلادة يتم تقديسها وتكرارها والافتخار بها. بل تُضاف إليها أخطاء قاتلة:

• القول بتحلية مليار ومائتي مليون متر مكعب يومياً (وهو رقم أعاد الرئيس نفسه تكراره أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة).

• قيل إن الثورات في أوروبا انطلقت من بلاد «خمسة مليون شهيد».

• وأن الرئيس الأمريكي واشنطن أهدى لعبد القادر الجزائري عدة مسدسات، بينما واشنطن كان قد فارق الحياة.

• وعد الرئيس باحتلال الجزائر المرتبة الأولى عالمياً بتصدير الفوسفاط عشرة ملايين طن، وأن القطار سيصل إلى «تمنراست»..

• الحديث عن ميناء ضخم سيرى النور ويربط بشبكة طرق إلى العمق الإفريقي.

أما الوزراء:

• وزير السياحة قال إن عدد السياح في 2024 بلغ 300 مليون سائح.

• وزير آخر زعم أن الناتج الداخلي الخام سيصل في 2027 إلى 600 مليار دولار بينما هو الآن ثلث ذلك فقط.

• الرئيس نفسه ادعى أن شركة ماليزية ستستثمر 20 مليار دولار، بينما رأسمالها الحقيقي لا يتجاوز مليار دولار.

صمت غريب

الناس في الجوار يثقون في هذه الأقوال، يرددونها ويفتخرون بها، ولا يعتبرونها هفوات لسان، بل جزءاً من قناعات متجذرة في العقول، إمعاناً في تقديس الجهل وغسل الأدمغة.

في المقابل، هناك صمت مدوٍ للمثقفين والفنانين والحقوقيين والصحافيين.

صحيح أن من تجرأ منهم على الكلام التحق بسجن الحراش بعد «مروره بمسلخة جهنم عنبر الاستنطاقات»، لكن التاريخ سيسجل أن المفكرين في الجزائر القرن الواحد والعشرين قد استقالوا جماعياً وتركوا الأميين والشعبويين يقودون البلاد، ويسمحون للعسكر والجهلة بالتحكم في الأعناق والأرزاق.

استولت وسائل الإعلام بقيادة وزراء يرددون دون ملل نفس الكلام المستهدف، ليكون الطريق إلى الهاوية.

https://anbaaexpress.ma/s0xbz

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى