أفريقياتقاريرسياسة
أخر الأخبار

إثيوبيا تدشن سد النهضة رسميا.. إنجاز تاريخي يكرس خلافا مائيا مفتوحا مع مصر والسودان

يكرس تدشين سد النهضة واقعا جديدا، مشروع ضخم بات قائمًا، ومخاوف مصر والسودان لم تجد بعد ضمانات حقيقية

بعد نحو 14 عامًا من الجدل والمفاوضات المتعثرة، دشّن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الثلاثاء، سد النهضة الكبير رسميًا، ليصبح المشروع الذي انطلق عام 2011 واقعًا ملموسًا، رغم ما أثاره من خلافات حادة مع مصر والسودان، اللتين تعتبران أن السد يهدد أمنهما المائي.

ورغم الافتتاح الرسمي، لم يتبدد الجدل، إذ لم تتمكن الأطراف الثلاثة حتى الآن من التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم يحدد قواعد الملء والتشغيل.

وفي كلمته بالمناسبة، أكد آبي أحمد أن السد “لا يشكل تهديدًا لمصر والسودان”، مشددًا على أن إثيوبيا “لم تأخذ شيئًا لا يخصها” وأنها تسعى فقط للاستفادة بشكل محدود من موارد النهر في إطار التنمية الوطنية.

سد النهضة، الذي كلّف خمسة مليارات دولار، يُعدّ أضخم مشروع للطاقة الكهرومائية في إفريقيا، وتبلغ طاقته الإنتاجية المستهدفة 5150 ميغاوات، بعدما بدأ تشغيل توربينين بطاقة 750 ميغاوات.

وترى أديس أبابا أن السد مفتاح لنهضتها الاقتصادية وتوسيع وصول الكهرباء إلى مواطنيها، مع تصدير الفائض إلى دول الجوار.

وقد تم تمويله بنسبة 91% عبر البنك المركزي الإثيوبي، فيما ساهم المواطنون بـ9% عبر السندات والتبرعات، دون الاعتماد على دعم خارجي مباشر.

في المقابل، يظل القلق المصري والسوداني قائمًا؛ إذ تعتمد القاهرة على نهر النيل لتأمين نحو 90% من مواردها المائية المقدرة بـ60 مليار متر مكعب سنويًا، بينما يحصل السودان على حوالي 18.5 مليار متر مكعب من النيل الأزرق وحده.

ويرى البلدان أن غياب التنسيق في إدارة السد قد يهدد أمنهما المائي والغذائي، خصوصًا في فترات الجفاف أو أثناء الملء والتشغيل.

سد النهضة.. رمز السيادة

افتتاح سد النهضة يمثل لحظة فارقة تتجاوز بعدها التقني إلى بعد جيوسياسي عميق. فإثيوبيا، الدولة التي تضم أكثر من 120 مليون نسمة، تعتبر السد رمزًا لسيادتها وقدرتها على فرض مشروع استراتيجي رغم اعتراضات إقليمية ودولية.

ورغم محاولات آبي أحمد طمأنة جيرانه، فإن جوهر الأزمة يكمن في غياب اتفاق ملزم يضمن تقاسم المخاطر، لا سيما وأن النيل الأزرق يشكل شريان حياة لمصر والسودان.

هذا الافتتاح يعكس أيضًا تحوّل موازين القوة في حوض النيل؛ إذ انتقلت إثيوبيا من دولة منبع مهمشة تاريخيًا إلى فاعل مركزي يفرض أجندته على طاولة التفاوض.

مصر، التي طالما اعتبرت النيل “خطًا أحمر”، تجد نفسها أمام معادلة جديدة حيث لم تعد الضغوط الدبلوماسية أو التلويح بالخيار العسكري كافية لوقف المشروع.

أما السودان، فيقف في موقع متأرجح بين المخاطر المحتملة والفوائد الممكنة من الكهرباء والري.

على الصعيد الدولي، يشكّل السد اختبارًا لفكرة “السيادة الوطنية” في مواجهة “المصالح العابرة للحدود”. فبينما تصر إثيوبيا على أن المشروع حق سيادي، ترى مصر والسودان أن النيل نهر دولي يستوجب إدارة مشتركة.

غياب تدخل فاعل من الاتحاد الإفريقي أو القوى الكبرى يعكس هشاشة النظام الإقليمي في معالجة نزاعات الموارد.

وبالنظر إلى التمويل المحلي الكامل للسد، فإن المشروع أصبح أيضًا أداة لتعزيز الهوية الوطنية الإثيوبية، بعد أن ساهم المواطنون في تمويله بشكل مباشر.

لكن هذه الرمزية قد تزيد من تصلب الموقف الإثيوبي وتقلل من مرونة التفاوض.

في المحصلة، يكرس تدشين سد النهضة واقعا جديدا،  مشروع ضخم بات قائمًا، ومخاوف مصر والسودان لم تجد بعد ضمانات حقيقية.

التحدي اليوم لا يكمن فقط في تشغيل السد، بل في بناء آلية للتعاون تمنع تحول النيل من مصدر حياة إلى سبب لصراع طويل الأمد في قلب القارة.

https://anbaaexpress.ma/21j9b

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى