تستعد الجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلسي “الناتو” لتنظيم زيارة غير مسبوقة إلى مدينة مليلية المحتلة بين 24 و27 شتنبر الجاري، تشمل لقاءات مع مسؤولين حكوميين وعسكريين إسبان وجولات ميدانية في مؤسسات أمنية وعسكرية، وفق ما كشفت صحيفة “el país” الإسبانية المقربة من السلطة وخاصة الحزب الاشتراكي العمالي الحاكم الذي يقود السلطة التنفيذية.
وتعد هذه المرة الأولى التي يقوم فيها وفد برلماني أطلسي بزيارة رسمية إلى المدينة، التي تظل إلى جانب سبتة خارج المظلة الدفاعية الرسمية للحلف.
الوفد سيضم برلمانيين من دول عدة بينها فرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا وتركيا والسويد، وسيلتقي برئيس مجلس الشيوخ الإسباني، إضافة إلى كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين في مليلية.
كما سيقوم بجولة في مركز استقبال المهاجرين الذي يشهد اكتظاظ حاداً، إلى جانب حضور عرض عسكري. وتأتي هذه الخطوة بدفع من السيناتور الإسباني فرناندو غوتييريث الجنرال السابق في مليلية ونائب رئيس الجمعية البرلمانية لـ”الناتو”.
ورغم الدعم الرسمي للزيارة من البرلمان الإسباني وأربع وزارات أساسية بينها الدفاع والخارجية، فإن الصحيفة لم تستبعد وجود تخوف من رد فعل مغربي محتمل، بحكم أن الرباط تواصل مطالبتها بالسيادة على سبتة ومليلية.
تمثل هذه الزيارة لحظة دقيقة في توازنات العلاقات المغربية الإسبانية، وتكشف عن تداخل ثلاثة مستويات من الرهانات:
البعد الإسباني الداخلي: إسبانيا تسعى عبر هذه الخطوة إلى تثبيت صورة مليلية كجزء لا يتجزأ من أراضيها الخاضعة للحماية الأوروبية، وإلى إرسال رسالة تطمين للرأي العام المحلي بعد تزايد الهواجس الأمنية المرتبطة بالهجرة والضغوط الجيوسياسية في محيط المتوسط.
لكن حساسية الملف تجعل مدريد حريصة على تقديم الزيارة في إطار برلماني لا عسكري مباشر، لتجنب استفزاز الرباط بشكل صريح.
البعد الأطلسي: حلف الناتو لم يحسم بعد في مسألة إدراج سبتة ومليلية تحت مظلته الدفاعية الرسمية رغم طلب مدريد الصريح.
غير أن إدراج “السيادة والسلامة الإقليمية” ضمن المفهوم الاستراتيجي الجديد في قمة مدريد 2022 يفتح الباب أمام تأويلات مرنة تسمح لإسبانيا بالضغط على شركائها لاعتبار المدينتين ضمن أولويات الدفاع المشترك دون الحاجة إلى نص قانوني صريح. الزيارة البرلمانية قد تكون مقدمة لاختبار ردود الفعل الداخلية والخارجية حول هذه النقطة.
البعد المغربي: بالنسبة للمغرب، يظل الملف سياديا بامتياز، إذ لم تتخل الرباط يوماً عن مطلب استرجاع المدينتين المحتلتين.
صحيح أن العلاقات المغربية الإسبانية شهدت تحسناً ملحوظاً بعد أزمة 2021، غير أن أي محاولة لإضفاء “شرعية أطلسية” على الاحتلال قد تضع هذه العلاقات أمام اختبار جديد..
فالمغرب ينتهج سياسة مزدوجة تقوم على تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع مدريد من جهة، والحفاظ على مطلب السيادة كأفق تاريخي غير قابل للتنازل من جهة أخرى.
إن زيارة وفد “الناتو” إلى مليلية قد لا تغير مباشرة من الوضع القانوني للمدينة، لكنها تحمل رسائل رمزية قوية، وتعيد فتح ملف حساس كان يدار تاريخيا عبر قنوات دبلوماسية هادئة بين الرباط ومدريد.
غير أن السياق الدولي المتوتر، من الحرب في أوكرانيا إلى الحرب الدائرة في غزة وتصاعد التوتر في الساحل الإفريقي، يجعل كل خطوة أطلسية في الجنوب المتوسطي ذات أبعاد أوسع تتجاوز ثنائية المغرب وإسبانيا.
الرسالة الأعمق في هذه الزيارة أن مليلية وسبتة قد تتحولان في السنوات القادمة إلى ورقة تفاوضية بين المغرب والحلف الأطلسي، تماما كما كانت الجزر المتوسطية الصغيرة أوراق ضغط في صراعات سابقة.
وهذا ما يجعل رد الفعل المغربي المقبل محط أنظار العواصم الأوروبية، بين خيار التصعيد السياسي عبر التنديد الدبلوماسي وخيار الانتظار الاستراتيجي لتوظيف اللحظة في سياق أوسع من معادلات القوة في المنطقة.
تعليق واحد