آراءثقافة
أخر الأخبار

من الفولكلور.. الثقافة الدنيا إلى التراث/ الثقافة العليا.. الوعي التاريخاني في مواجهة المتخيل الكولونيالي

و من يقوم بهذا الدور غير الفرنكو-كولونياليون الذين كانوا ينظرون للمغرب كامتداد للضفة الشمالية بعد حذف المرحلة العربية الإسلامية على الطريقة الأندلسية !!!

لا يمكن إدراك تصور الأستاذ عبد الله العروي لظاهرة “لفولكلور” خارج المجال الابستيمي الذي تحرك فيه.

فبالإضافة إلى كونه مفكرا عقلانيا تاريخاني النزوع، فهو خريج مدرسة الحركة الوطنية المغربية.

لذلك، اجتمع فيه ما تفرق بين غيره، فهو المفكر العقلاني الوطني الذي عاش تجربة النضال الطلابي في المعقل الاستعماري، و عاد إلى المغرب بعد التخرج/الاستقلال حاملا لمشروع وطني تحرري، رآه مجسدا في علال الفاسي النهضوي المحافظ و عبد الرحيم بوعببد رجل الدولة التقدمي.

وعى الأستاذ العروي، مبكرا، مدفوعا بالقيم الوطنية و المنهج العقلاني، أن المشروع الاستعماري يتجاوز الهيمنة العسكرية و السياسية، إنه -قبل ذلك كله- مشروع هيمنة ثقافية يسعى إلى إعادة إنتاج Reproduction الذات المستعمَرة كمتخيّل Imaginaire مفارق للحقيقة الواقعية، أي كفولكلور !..

وذلك بشكل ينسجم مع الطموح الهيمني الاستعماري الذي يسعى إلى إخصاء Castration الذات المستعمَرة بالمعنى الذي صاغه Franz Fanon في كتابه الذي مثل علامة فارقة في تاريخ الثقافة الكولونيالية، أقصد كتاب Peau noire Masques blancs.

هذا الجانب المسكوت عنه في المتن/المنهج الكولونيالي، لم يكن ليغيب عن ذهن إشكالي وقاد لا يرتاح للإجابات النمطية الجاهزة، لقد نجح الأستاذ العروي في وضع الأصبع على مكمن الجرح الغائر الذي يؤلم كل مغربي أصيل، رغم عجز الكثير منا عن إدراك سبب الألم، في حين يمنح لذة (النيرفانا) لكل جلاد استعماري يتلذذ، بشكل سادي، بضحيته المستعمَرة، ببنما يقف بينهما في مفترق طرق، بشكل أبله، المخصيون من دراري الفرنكفونيا الذين لم يفارقوا مراهقتهم (الفكرية) و لم يتضمخوا بعبق فكر التحرر الوطني.

هذا الفكر الذي عانى من أجل ترسيخه مناضلو الحركة الوطنية، و ضحت المؤسسة الملكية بوجودها من أجل ترسيخه، حينما فضل المجاهد الوطني الكببر الملك محمد الخامس حياة المنفى على حياة الاستعمار، و صرخ صرخته التاريخية المدوية: لست سلطان الحماية !..

لا أظن هذه الصرخة إلا اخترقت كيان مفكر عقلاني وطني أصيل، من طينة عبد الله العروي، و دفعته إلى تدشين نضال عقلاني وطني من صميم انشغاله الثقافي، و لعل أبرز خطواته النضالية هي معركته ضد الفولكلور الذي سعى إلى تشويه الذاتية المغربية، و تقزيمها إلى كليشيهات ضمن متخيل استعماري مريض بالسادية.

يُذكّر الأستاذ عبد الله العروي كل من يقتات على المتخيل الكولونيالي من دراري الفرنكفونية: “الفولكلور لا يمكن أن يحل محل الثقافة الكلاسيكية/الثقافة العليا Haute culture” و المغرب وريث هذه الثقافة العليا التي تشكلت، على امتداد قرون و قارات، و ليس وليد المرحلة الاستعمارية.

لذلك، ينبه العروي كل من يفتقد هذا الوعي التاريخي أن ” من لا يعرف الثقافة العربية الكلاسيكية/ الثقافة العليا، أو يعرف شذرات منها عبر الترجمة، يعتبر أن المجتمع المغربي مجتمع إثنوغرافي (فولكلوري) لا يصلح متخيله لبناء ثقافة معاصرة” و يعلق الأستاذ العروي: “أرفض أن نتصرف و كأننا أمة أمية.

خرجنا من الأمية، منذ قرون، و ازدواجية اللغة بين مكتوبة و محكية ليس دليلا على أننا ما زلنا أميين !!! هذه مفاهيم مغلوطة ورثها البعض عن كتاب (جُهّٓال) ! أو مغرضين.

و حسب العروي، الفوكلور في الثقافة المغربية، مبحث إثنوغرافي كولونيالي سعى من خلاله رواد السوسيولوجيا الكولونيالية إلى فصل المغرب عن امتداده الحضاري العربي الإسلامي بادعاء امتلاكه لخصوصية يمثلها التراث الشعبي الشفوي ! و هذا الادعاء كان مبررا كافيا لتهميش المتن المكتوب، و هو عربي-إسلامي، في مجمله، لأن المغرب استمر، لقرون، يمثل مركز حضارة الغرب الإسلامي.

و إذا كان المتن الثقافي المكتوب عربي-إسلامي في مجمله، فإن المتن الشعبي الشفوي يمثل خليطا من الثقافة الأمازيغية و اليهودية و بعض التعبيرات الثقافية الإفريقية.

هكذا، كان التوجه الكولونيالي نحو إعادة الاعتبار للمتن الشعبي الشفوي، و في المقابل كان توجه آخر نحو تهميش المتن المكتوب.

و بين طيات هذا التوجه المزدوج كان المشروع الاستعماري يؤسس لمغرب بديل مفصول عن تاريخه كقوة متوسطية و مركز حضارة الغرب الإسلامي، مغرب فاقد لذاكرته الثقافية و يعاني داء الزهايمر، يحتاج لمن يقوده و يوجهه و يذكره !

و من يقوم بهذا الدور غير الفرنكو-كولونياليون الذين كانوا ينظرون للمغرب كامتداد للضفة الشمالية بعد حذف المرحلة العربية الإسلامية على الطريقة الأندلسية !!!

من سوء حظ المشروع الفرنكو-كولونيالي، أن رواد الحركة الوطنية المغربية، الذين مثلوا امتدادا ثقافيا لحضارة الغرب الإسلامي، كانوا في حالة يقظة و تحملوا مسؤولية إيقاظ الشعب المغربي و إعداده لمعركة النضال ضد المسخ الاستعماري، و قد مثلت معركة الظهير البربري بداية مشروع التحرر الذي تطور إلى مشروع وطني تبلور على شكل ثورة الملك/القوة الأولى و الشعب/القوة الثانية في مواجهة مشروع القوة الثالثة بتعبير الأستاذ الجابري.

https://anbaaexpress.ma/4uibd

إدريس جنداري

باحث أكاديمي و كاتب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى