عبدالله فضّول
الحياة، رغم قسوتها أحيانًا، ورغم ما تتركه فينا من ندوب لا تُرى، تظل جديرة بالحب.
وعلى الرغم من تفاهة بعض اللحظات، وثقل بعض الأيام، تبقى الحياة فسحة للدهشة، ومسرحًا للأمل، ومكانًا نعيد فيه اكتشاف أنفسنا كل مرة.
نحبها، لا لأنها كاملة، بل لأنها منا؛ من ضعفنا، من قوتنا، من أحلامنا الصغيرة التي تأبى أن تموت.
وعلينا أن نرعاها، أن نغفر لها، أن نمنحها فرصة لتكون أجمل.
فنحن من يمنحها المعنى، ونحن من يلونها بالحب، ونحن من يختار أن يرى فيها الضوء، حتى حين يطول الظل.
تقسو علينا حين لا نتوقع، وتتمرد على رغباتنا كما لو أنها تختبر صبرنا.
تنحو منحى لا نريده، وتجرّنا إلى طرق لم نخترها، فنظن أن كل شيء ينهار، وأن المآسي لا تنتهي.
ومع ذلك، يبقى فينا شيء لا يُكسر: ذلك الإصرار الخفي، تلك القدرة العجيبة على النهوض، على الترميم، على الابتسام رغم الألم.
الألم لا يُغادر تمامًا، لكنه يتعلّم كيف يعيش فينا دون أن يطفئنا.
نحن لا ننسى، لكننا نُشفى.
ولا نُقاوم الحياة، بل نُصادقها، حتى حين تُخالفنا.
نحن لا نثبت على حال، ولا نعيش بنسخة واحدة من أنفسنا.
نتغيّر، نتهشّم، نعيد البناء، ونواصل السير رغم كل ما يتكسّر في الطريق.
لكننا أيضًا، نحن من صنعنا هذه الحياة كما نراها اليوم؛ نحن من شوّه ملامحها، ومن أفرغها من معناها، ومن حمّلها ما لا تحتمل.
فإن كان هناك من يستحق الاحتجاج.. فهي الحياة نفسها.
لها الحق أن تُعاتبنا، أن تسألنا لماذا جعلناها ساحة صراع بدل أن تكون فسحة حب، ولماذا أفرغناها من الدهشة، من الرحمة، من المعنى.
نحن من أرهقها بتفاهاتنا، ومن قسونا عليها حين قسونا على بعضنا، ومن جعلناها مرآةً للخذلان بدل أن تكون مرآةً للنجاة.
فهل من مصالحة تُعيد ترتيب العلاقة بيننا وبين الحياة؟
وهل من مصلحة مشتركة في تأثيث هذا الوجود بما يليق بالإنسان؟
فنحن من يستوطن المعنى، لا العدم؛ نحن من يُنبت الضوء في العتمة، ويمنح للألم لغةً تُفهم، لا تُخشى.
المصالحة ليست ضعفًا، بل وعيٌ ناضج بأن الحياة لا تُروّض بالقسوة، بل تُفهم بالحب.
وأننا، حين نُعيد النظر في ما صنعناه بها، نمنحها فرصة لتكون أجمل، ونمنح أنفسنا حق البداية من جديد.
* كاتب وقاص للقصة القصيرة جدا




