نائل مناصرة
لم يكن تصريح بنيامين نتنياهو عن “إسرائيل الكبرى” انفعالًا عابرًا ولا خطابًا انتخابيًا صاخبًا، بل تتويجًا لفكر صهيوني ممتد منذ بدايات القرن الماضي.
ذلك الحلم التلمودي الذي حمله جابوتنسكي، مُنظّر “الجدار الحديدي”، وجد في نتنياهو أكثر تلاميذه وفاءً وإصرارًا. فمنذ سنواته الأولى في الحكم، ظلّ يردد أنّ العرب لن يخضعوا إلا بالقوة، وأنّ التوسع الإسرائيلي قدر لا مفرّ منه.
لأول مرة، يظهر هذا المشروع إلى العلن بوضوح ودون مواربة. لم يعد مجرّد فكرة في كتب الاستراتيجية الصهيونية، بل سياسة معلنة، تعمل لها أجهزة الدولة جهراً وسراً، وتُمرّر عبر الحروب والمجازر والتهجير.
وقد جاءت معركة السابع من أكتوبر لتمنح نتنياهو الذريعة لتكريس هذا التوجه، عبر تدمير غزة، وتعزيز الاستيطان، وفرض واقع جديد يجعل من الفلسطينيين ضحايا دائمة لسياسة الخوف والإبادة.
البيئة الدولية تمنحه غطاءً غير محدود. واشنطن توفر الدعم السياسي والعسكري بلا قيد، وأوروبا تتردد في مواجهة الكذب الإسرائيلي خشية اتهامات معاداة السامية، فيما ينكفئ العرب إلى بيانات استنكار لا تغيّر شيئًا من موازين القوى.
هنا يصبح السؤال أكثر إلحاحًا: هل يمكن لأمة تمتلك التاريخ واللغة والجغرافيا والموارد أن تستسلم لمشروع يهدد وجودها كله، أم أن اللحظة تفرض يقظة تتجاوز الخطب والشعارات؟
التاريخ لا يترك مجالاً للغفلة. حين وحّد صلاح الدين جبهة العرب والمسلمين قبل معركة القدس، أدرك أن الخطر الداخلي لا يقلّ خطورة عن الغزو الخارجي. واليوم، المعادلة لم تتبدل: فالوحدة ليست ترفًا سياسيًا، بل شرطًا للبقاء.
ليست حلمًا رومانسياً يُستحضر في المناسبات، بل ضرورة وجودية أمام مشروع يزحف بثبات على الأرض.
العرب لا يفتقرون إلى القوة، بل إلى الإرادة. في أيديهم الثروات والأسواق والقدرة على التأثير في الموازين العالمية، وفي جغرافيتهم مفاتيح الطاقة والمعابر والمياه.
لكن كل ذلك يبقى معطلاً ما دامت السياسات الرسمية عاجزة عن تحويل الإمكان إلى فعل، وما دام الانقسام يحوّل الطاقات إلى عبء بدلاً من أن تكون رصيدًا.
إعلان “إسرائيل الكبرى” هو إعلان حرب، لا على فلسطين وحدها، بل على المنطقة بأسرها. تجاهله ليس حيادًا، بل تواطؤ مع مصير سيجعل من العرب أتباعًا في مشروع استعماري جديد.
إن لم تُترجم الأقوال إلى خطوات رادعة، فإن الخريطة المقبلة ستُرسم بغير ألوانهم، وسيكتشفون بعد فوات الأوان أنهم خسروا أوطانهم بقدر ما خسروا ذواتهم.
الزمن يضيق، والسؤال باقٍ معلّقًا فوق العواصم العربية: هل يستفيق العرب قبل أن يُكتب تاريخهم بمدادٍ صهيوني؟
* صحفي وكاتب من رام الله مهتم بالشأن الإنساني في غزة