دخلت العلاقات الأميركية‑الهندية مرحلة من التوتر غير المسبوق، على خلفية استمرار نيودلهي في استيراد النفط الروسي رغم العقوبات الغربية، وهو ما اعتبرته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب “انحيازًا غير مقبول” في معركة النفوذ الجيوسياسي.
وبينما سعى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي طيلة سنوات للحفاظ على توازن دقيق في علاقاته مع واشنطن وموسكو، تبدو خياراته الآن محدودة، في ظل ضغوط أميركية تتصاعد بوتيرة سريعة.
ففي تصريحات أدلى بها لقناة “CNBC”، تعهّد ترامب، بفرض رسوم جمركية “كبيرة” على الواردات الهندية خلال 24 ساعة، متهمًا نيودلهي بالاستفادة من النفط الروسي الرخيص في وقت تخوض فيه الولايات المتحدة معركة اقتصادية مفتوحة مع موسكو.
ويأتي هذا التهديد بعد أسبوع من فرض رسوم بنسبة 25% على السلع الهندية، في تصعيد تجاري يعتبره مراقبون بداية تحول في طبيعة العلاقة بين الطرفين.
لكن الهند، التي أصبحت رابع أكبر اقتصاد في العالم، لا تبدو مستعدة للامتثال الفوري. فقد ردّت وزارة التجارة في دلهي بوصف هذه الإجراءات بأنها “غير مبررة”، مؤكدة أن الولايات المتحدة وأوروبا لا تزالان تتعاملان مع روسيا في مجالات مثل الأسمدة والمواد الكيميائية.
ويرى المسؤولون الهنود أن بلادهم تُستهدف بشكل غير عادل، بينما تسعى للحفاظ على مصالحها الحيوية في سوق الطاقة.
ويمثل النفط الروسي بالنسبة للهند أكثر من مجرد سلعة استراتيجية؛ فهو شريان اقتصادي يغذي نموها السريع، ويُعدّ اليوم المصدر الأول للنفط الخام بنسبة 36% من إجمالي وارداتها. ومع بلوغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، باتت الهند ثالث أكبر مستهلك للنفط عالميًا، ومن المتوقع أن تتجاوز الصين في غضون سنوات، بحسب تقديرات “رويترز”.
وفي وقت سابق، كانت الهند قد تخلت عن استيراد النفط من إيران وفنزويلا تحت ضغط العقوبات الأميركية، لكن يبدو أنها لا تنوي تكرار التجربة مع روسيا، خصوصًا أن البدائل، وتحديدًا من الشرق الأوسط، قد تكون مكلفة ولا تُعوض الفجوة سريعًا.
كما أن استمرار اعتماد الهند على النفط الروسي يتيح لها تصدير منتجات مكررة بأسعار تنافسية، ما يعود بالنفع على مستهلكين كبار مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
وبحسب المكتب الوطني للأبحاث الآسيوية (NBR)، فقد بلغت صادرات الهند من المنتجات البترولية المكررة في عام 2023 حوالي 86.28 مليار دولار، ما جعلها ثاني أكبر مصدر عالميًا، ما يعكس تزايد دورها كمحور حيوي في سوق الطاقة الدولية.
وعلى الرغم من التوتر الظاهر، لا تزال إدارة مودي حريصة على إبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع واشنطن، وتسعى في الوقت ذاته إلى تنويع مصادرها الطاقية دون أن تتخلى فجأة عن وارداتها الروسية.
ويبدو أن أي تراجع سريع عن النفط الروسي قد يُربك السوق العالمية ويضر حتى بالمستهلك الأميركي، الأمر الذي يضع إدارة ترامب المقبلة أمام معادلة أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه في خطاب التهديد.
في المحصلة، يعكس النزاع النفطي بين نيودلهي وواشنطن صراعًا أوسع حول النفوذ والطاقة في عالم ما بعد أوكرانيا، حيث لم يعد التوازن الجيوسياسي مجرد خيار، بل ضرورة ملحة لاقتصادات ناشئة تحاول الحفاظ على استقلالها السياسي وسط لعبة مصالح لا ترحم.