د. فارس يغمور
منذ اللحظة التي انتصرت فيها الثورة السورية المباركة، وسقط النظام البائد بقيادة المجرم بشار الأسد، انطلقت مرحلة جديدة في التاريخ السياسي لسوريا والمنطقة بأسرها. هذه المرحلة اتسمت بوضوح الرؤية، واعتدال الخطاب، والتوجه الجاد نحو إعادة صياغة العلاقات الإقليمية على أسس من الشراكة العربية الصادقة، وفي مقدمتها بناء روابط استراتيجية مع المملكة العربية السعودية، التي تمثل الثقل العربي والإسلامي الأكبر في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.
لقد كان النظام السوري السابق، بتحالفاته المشبوهة مع إيران وميليشيا حزب الله، يمثل الذريعة الذهبية التي طالما رفعتها الصهيونية أمام دول الخليج، مبررة وجودها وتدخلاتها العسكرية والاستخباراتية في المنطقة بحجة “الدفاع عنكم” من خطر التمدد الإيراني وتهديدات النظام السوري المجرم. هذه الورقة استثمرها الكيان الصهيوني لعقود، مستفيداً من حالة الانقسام العربي لتمرير أجنداته، وتعزيز نفوذه، وتوسيع اختراقاته السياسية والعسكرية.
لكن المشهد تغيّر جذرياً.
فمع صعود القيادة السورية الجديدة، وطرد إيران وأذرعها المسلحة من الأراضي السورية، وانتهاج خطاب معتدل يقوم على الانتماء العربي الصادق، سقطت كل الذرائع التي كانت ترفعها الصهيونية لتبرير تدخلاتها. لم يعد بإمكانها الادعاء بأنها حامية الخليج، أو أنها خط الدفاع الأول ضد “الخطر السوري لأن سوريا الجديدة نفسها باتت جزءاً من منظومة الحماية العربية، وسوراً منيعاً أمام الأطماع الإقليمية والدولية.
إن التقارب السوري – السعودي لم يكن مجرد خطوة دبلوماسية عابرة، بل هو تحالف استراتيجي يعيد ترتيب الأوراق في الشرق الأوسط.
فهذا التقارب يحمل في طياته رسالة واضحة: أن العرب قادرون على حل خلافاتهم الداخلية، وبناء جبهة موحدة تتصدى للأخطار، وتستعيد زمام المبادرة، بعيداً عن الوصاية الأجنبية أو الابتزاز السياسي.
هذا الواقع الجديد أقلق الكيان الصهيوني إلى أبعد الحدود، لأنه يدرك أن وحدة الصف العربي تعني تحجيم نفوذه وإضعاف قدرته على اللعب على تناقضات المنطقة.
كما أن خطاب القيادة السورية المعتدل، وسياساتها المتوازنة، تعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية مركزية للأمة العربية، وهو ما تحاول الصهيونية طمسه منذ عقود عبر إشغال المنطقة بصراعات جانبية.
إن ما يحدث اليوم ليس مجرد تغيير في السياسة السورية، بل هو تحوّل استراتيجي يعيد رسم ملامح المنطقة بأسرها، ويضع حجر الأساس لتحالف عربي عربي قوي، تقوده المملكة العربية السعودية وسوريا الجديدة، بما يحقق الأمن والاستقرار والتنمية، ويعيد التوازن إلى ميزان القوى الإقليمي، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة عنوانها: عروبة القرار ووحدة المصير.
* عميد المعهد العالي لحقوق الإنسان والعلوم الدبلوماسية