آراءسياسة
أخر الأخبار

إيران لا تعترف بالدولة اللبنانية “تحليل”

تودّ طهران استعادة مقعدها على طاولة ما يُرسم في لبنان وللبنان. وفي عزّ الجدل المضجّر بشأن المفاوضات بين واشنطن وطهران..

كذّبت إيران كل المزاعم التي ادعت “افتراء” أن الجمهورية الإسلامية لا تتدخل لحماية أذرعها داخل “المحور”. صحيح أنها لم تفعل ذلك لإنقاذ نظام بشّار الأسد في سوريا، أو لردّ الإبادة عن غزّة، أو للانتقام لما يصيب الفصائل الولائية في العراق، أو لصدّ الهجمات “الامبريالية” عن جماعة الحوثي في اليمن.

قبل أشهر عاتبت بيئة الحزب بصوت خافت إيران على ما حلّ بالبيئة والبلد والحزب وزعيمه وقياداته من ويلات “حرب الاسناد”. لكن إيران تقدم هذه الأيام المدد لحزبها في لبنان.

لم تسكت طهران. أماط وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، اللثام عن موقف يتسرّب منه تحريك إيران لقواها الذاتية والمحورية وربما الدولية لردّ “وقاحة” الدولة في لبنان في أن تطمح أن تكون دولة كباقي دول العالم.

يُبلغ الرجل العالم، أي لبنان وكل المنطقة، كما أوروبا والولايات المتحدة، من دون إهمال دول حلفاء مثل روسيا والصين، أن “تسليم سلاح الحزب سيفشل”. ولا يحتاج المرء إلى فطنة لاستنتاج أن في ثنايا تلك النبوءة أمر عمليات للحزب برفض تسليم السلاح وإجهاض هدف حصرية سلاح البلد في يد دولته.

تحرض طهران حزبها على التمرد. بدا أن ما أعلنه أمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم، أثناء انعقاد جلسة مجلس الوزراء يوم الثلاثاء، كان قراءة حرفية من نصّ وارد من إيران أعلنه الوزير الإيراني متعمدا قبل ساعات من انعقاد جلسة المجلس التالية يوم الخميس.

مختصر الكلام أن سلاح الحزب، وفق ما أعلن الأمين العام الراحل السيد حسن نصر الله، إيراني الملكية، وبالتالي فإن أمر مساره وحركته واستخداماته، وطبعا مصيره يتقرر في طهران، أو، وهنا بيت القصد، مع طهران. باختصار رسالة إيران: لن “نأمر” حزبنا في لبنان بتسليم سلاحه إلا بعد أن نقايض الأمر بمقابل.

أثنى الوزير على موقف قاسم. ثم نأى برشاقة بالنفس عن التدخل في شأن قال إنه “قرار الحزب” وحده، وكاد يقول “لا شريك له”. غير أن ما تقوله أبجدية يفترض بحدّها الأدنى أن تكون دبلوماسية، لا يعترف بلبنان دولة ورئيسا وحكومة وبرلمانا وشعبا، ولا بقرارات أممية ومزاج عربي وإرادات مجتمع دولي.

لكن الأفدح في كل ذلك، أن إيران لا تعترف في لبنان باللبنانيين، ولا ترى في هذا البلد إلا سلاحا يخصّها ومن حقّها أن تحجب أي نقاش بشأنه.

قبل شهرين فقط، في 3 حزيران الماضي، كان عراقجي يزور لبنان. قال حينها، في سعيّ لإفحامنا، إن إيران “دعمت سيادة لبنان ووحدة أراضيه في كل المراحل وما زالت تدعمه”.

ثم أضاف ليمعن في تخجيلنا أن إيران تأمل “فتح صفحة جديدة في العلاقات مع لبنان على أساس الاحترام المتبادل ونحن نحترم شؤونه الداخلية ولا نتدخل فيها”. ولئن تحدث عن “صفحة جديدة”، فإن في ذلك كان إقرارا بسوء ارتكب في الصفحة القديمة.

وحتى يفرط الرجل في إقناعنا بمراجعة مفترضة قد أجرتها بلاده في مقاربة الجمهورية الإسلامية للعلاقة مع الجمهورية اللبنانية، فإن الوزير الإيراني أظهر في تصريحاته حينذاك عظةً تلفت إلى أنه “لا يحق لأي دولة التدخل في شؤون لبنان الداخلية”، وأن “علاقاتنا مع لبنان هي علاقة عريقة، لطالما كانت ودية وقائمة على الاحترام المتبادل”.

لا أحد في لبنان صدّق حينها تلك المواقف التي بدت متعثرة تستسهل الكلام وتستخف بعقول بيئة الحزب نفسه قبل الاستخفاف بذكاء اللبنانيين. لا أحد في لبنان اهتم أساسا بأخذ تلك المواقف على محمل الجد.

جاء كلام الوزير على بعد 10 أيام فقط من استدعاء وزارة الخارجية اللبنانية في 22 نيسان الماضي السفير الإيراني، مجتبى أماني، احتجاجاً على انتقاده المداولات اللبنانية بشأن سلاح حزب الله وحصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية. كان السفير اعتبر أن ذلك “مؤامرة” تنبهت لها طهران.

ما قاله سفير طهران يقوله وزيرها هذه الأيام. تتدخل إيران من دون خجل أو كلل في شأن لبنان بصفته -ما زال- حديقة من حدائق الوليّ الفقيه في المنطقة، حتى لو أن “زلزال” سوريا أسقط “الهلال” الشهير وقطع ممر طهران-بيروت.

لم يعد سلاح الحزب عامل قوة لإيران وسقطت مفاعيله. لكن للسلاح وظيفة ابتزاز تهتم إيران بالتلويح به في وجه العواصم المؤتلفة داخل “اللجنة الخماسية”.

تودّ طهران استعادة مقعدها على طاولة ما يُرسم في لبنان وللبنان. وفي عزّ الجدل المضجّر بشأن المفاوضات بين واشنطن وطهران، تحرّك إيران بيدقا للتشويش على حدث استثنائي في تاريخ لبنان، وربما للإيحاء لواشنطن بقوة مناكفة لورقة مبعوثها، توم بارّاك، لعل في ذلك ما يغيّر شيئا من موازين القوى اليائسة على رقعة اللعبة.

من يتأمل ردّ بيان وزارة الخارجية اللبنانية على ما اقترفه وزير إيران، يكاد يستنتج نصائح، ربما من دول صديقة، بأن لا يأخذ لبنان الرسمي ما يصدر من طهران على محمل دراماتيكي.

فنظام الجمهورية الإسلامية يقتات من هذا السلوك، ولا يملك إلا أن يكون نظام مشاغبة في كل المنطقة، حتى لو أبرم اتفاقاً في بكين مع السعودية، في آذار 2023، أوحى بفتح طهران صفحةً وعهودا مع كل المنطقة. تعمل طهران على تعطيل جهود السعودية لاستعادة لبنان مكانة دولته.

يكفي تأمل حملة منابر الحزب الأخيرة ضد الرياض ومبعوثها، الأمير يزيد بن فرحان، لاستنتاج مفهوم إيران للعلاقة الصحيحة مع المملكة والمنطقة.

بدت كلمات الوزير الإيراني مُقحمة من خارج أي سياق سيصعب أن يصدّقها الحزب أو تأنس لها بيئته، حتى أن مفاعيلها اقتصرت على انسحاب جزئي خجول لوزراء وصف بأنه شكلي من جلسة الخميس.

يتقدم الحدث، على ثقل ظله، في يوميات البلد كأعراض جانبية في هامش متنٍ ينجزه لبنان بمواكبة ودعم العالم أجمع. ولا مبالغة في استخدم تعبير “أجمع”، ذلك أن الجهات الأربع جميعها، تنهي زمن الميليشيات في المنطقة “على الهواء مباشرة” رغم تشويش مصدره طهران على قنوات البثّ المعتمدة.

https://anbaaexpress.ma/3zi4t

محمد قواص

صحافي وكاتب سياسي لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى