نائل مناصرة
“لا توجد مجاعة في غزة” — هكذا صرّح السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة، جلعاد إردان.
وأخيرًا، وقف المبعوث الأمريكي ويتكوف، ليؤكد بكل برودة أعصاب:
“لا توجد مجاعة في غزة”.
جميل جدًا.
ولكن، منذ متى أصبح الساسة مصدرًا موثوقًا للحقيقة؟
أما أنا، فإذا قال لي سياسي: “صباح الخير”، سأفتح النافذة لأتأكد أن الشمس لم تُقصف هي الأخرى، أو لم تُحاصر عند معبر كرم أبو سالم.
يقولون: لا مجاعة..
فمن أين إذًا تأتي صور الأطفال الذين تأكل عظامهم الريح؟
كيف نُفسّر أمًّا تطبخ الحشائش؟
هل الخبز الذي يُباع في السوق السوداء بسعر الذهب أيضًا خدعة؟
هل جثث الشهداء التي تُدفن بلا أكفان مجرد مشهد سينمائي؟
وهل الذكاء الاصطناعي بات يصنع الدموع، والجوع، وملامح الموت في عيون الأحياء؟
جميل. فلنفترض أن كل ذلك كذب.
فالحل بسيط جدًا:
دعوا الصحفيين يدخلون غزة.
افتحوا المعابر للإعلام المستقل، لا لمراسلي الجيوش.
ودعوا الكاميرات ترصد “الطمأنينة” التي تزعمونها، و”الوفرة الغذائية” التي يتحدث عنها ويتكوف.
صوّروا لنا البيوت العامرة.. إن وُجدت.
المستشفيات المجهزة.. إن بقي منها ما يُجهّز.
والمدارس الآمنة.. إن لم تُقصف ثلاث مرات في الأسبوع.
لكنكم لن تفعلوا.
لأن الحقيقة عدوكم الوحيد، ولأن الكاميرا في غزة اليوم قد تُدين أكثر مما توثّق.
أنتم تخشون الصورة، لأن الصورة لا تُجامل، ولا تُصنع على مقاس البيانات السياسية.
“لا توجد مجاعة”، يقولون.
تمامًا كما قالوا يومًا: “لن تُقصف المدارس”، و”لن يُستهدف المدنيون”، و”نحن نحارب الإرهاب، لا الناس”.
لكن في غزة، الحقيقة ليست بحاجة لكلمات..
هي تصرخ من باطن الأرض، وتكفي رائحة الموت وحدها لتكذّب كل ما قيل.
افتحوا النوافذ..
دعونا نتأكد إن كانت الشمس قد أشرقت حقًا، أم أن ضوءها مجرّد فوتوشوب سياسي آخر.
* صحفي وكاتب من رام الله مهتم بالشأن الإنساني في غزة