آراءمجتمع
أخر الأخبار

أزمة الأخلاق والسياسة في زمن العولمة.. حين تتحدث الأموال تصمت الحقيقة

لا أعرف متى بالضبط بدأت أشعر أن السياسة فقدت بريقها. ربما حين صرت أرى السياسيين يضحكون أمام الكاميرات، بينما خلف الكواليس تُعقد الصفقات كأننا مجرد أرقام على ورق. شيء داخلي يختنق كلما سمعت خطاباً مملوءاً بالشعارات: الحرية، العدالة، حقوق الإنسان.. كلمات جميلة لكن فارغة، كعلبة ذهبية لا تجد فيها شيئاً.

العولمة زادت الطين بلة. صارت السياسة مرهونة للأسواق، والبورصة تُسقط حكومات أسرع مما يسقطها الشعب.

أحياناً أتساءل: هل ما زلنا نحن من يختار ممثلينا، أم أن اللوبيات الكبرى هي التي تختارهم لنا وتدفعهم إلى الواجهة؟ أشعر أن الحقيقة لم تعد تُقال، بل تُساوَم عليها.

وحين يدخل المال إلى الميدان، كل شيء آخر يخرس: الضمير، الأخلاق، حتى صوت المواطن العادي.

لكنني لا ألوم السياسيين وحدهم. نحن أيضاً تورطنا. نُسكت أنفسنا أحياناً، نصمت لأننا نخاف على لقمة العيش، نقول “ماشي مشكل” ونكمل يومنا.

وهكذا، قليلاً قليلاً، نتعود على العيش مع الظلم كأنه شيء عادي. أليس هذا أخطر من الفساد نفسه؟ أن نتعايش معه؟

أتذكر رجلاً بسيطاً في الحي كان يصرخ دائماً ضد الغلاء وضد المسؤولين. كانوا يسخرون منه: “هاو رجع كيعاود نفس الهضرة”. لكنه كان صادقاً. صوته وحده كان يحرجنا جميعاً، لأنه قال ما لا نجرؤ على قوله.

وأنا أقول: السياسة تحتاج إلى هؤلاء الأصوات أكثر مما تحتاج إلى خبراء الاقتصاد. الحقيقة تُولد من أفواه البسطاء، لا من مكاتب الزجاج.

الأموال اليوم تصنع صورة لامعة لعالم جميل: إعلانات، مؤتمرات، وعود بالإصلاح… لكن خلف هذه الصورة توجد معاناة لا تراها الكاميرات. وهذا ما يوجع القلب: أن الحقيقة تُدفن ببطء تحت طبقات من البهرجة الإعلامية.

ومع ذلك، ما زلت أؤمن أن الحقيقة مثل الماء: مهما حاولوا حبسها، ستجد منفذاً لتتسرب. قد يتأخر الأمر، وقد يبدو الصوت ضعيفاً، لكنه يصل. والتاريخ شاهد: كل مرحلة انحطاط أنجبت من قلبها يقظة.

لذلك، حين أصادف نفسي أمام هذا السؤال: هل يمكن للسياسة أن تكون أخلاقية في زمن العولمة؟ أجيب بتردد: نعم… لكن ليس إذا بقينا متفرجين.

بل إذا استعدنا شجاعتنا الصغيرة، شجاعة قول “لا”، شجاعة رفع الصوت ولو كلفنا ذلك بعض الخسائر. لأن المال يشتري كل شيء إلا شيئاً واحداً: إنسان يقرر ألا يبيع صوته.

https://anbaaexpress.ma/soc7k

محمد بوفتاس

كاتب صحفي وسيناريست مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى