آراء
أخر الأخبار

من أجل فهم حقيقي لحملة “لوموند” على المغرب

توقيت هذه الحملة أهم من مضمونها،  وهو الذي يكشف أنها لا تعدو أن تكون سوى حملة مدفوعة الثمن مسبقا. فما جدوى أن تستند جريدة "لوموند" على معطيات قديمة تجاوزها الزمن كما هي ليست سرية بعضها معروف ومتداول وبعضها تم تسخيره للزج بمغالطات والتشويش على مملكة انطلقت في مسار تنموي مستقل يعيدا كل البعد عن أية وصاية. يبدو أن الجريدة كذلك غير راضية على هذا الوضع..

تعمدت جريدة “لوموند” الفرنسية ان تشن اليوم حملة مسعورة على المملكة المغربية في توقيت أقل ما يقال فيه بأنه توقيت مشبوه.

لا يمكن فهم أسباب وأبعاد أي نشاط سياسي أو إعلامي من دون ربطه بالظرفية والملابسات المحيطة به لأنها تعتبر أساسية وضرورية لقراءة موضوعية حتى يتسنى تفسير وفهم الحدث موضوع البحث.

القراءات المعزولة غالبا ما تؤدي إلى الضياع والخروج باستنتاجات تكون أبعد عن المواقف المراد تشريحها.

الحملة المشبوهة كما نشرتها تلك الجريدة في حلقات متتالية بكل تأكيد ليست حملة بريئة لا في مضمونها ولا في توقيتها وتفضي إلى خلاصات كلها افتراءات ما أنزل الله بها من سلطان بقدر ما هي نتاج  لخط تحريري يحمل أصلا جينات ذلك التحامل المجاني على المغرب.

لذلك فقراءتها لبعض الوقائع كما تم سردها  حسب ما تزعم ليست بالقراءة الموضوعية. من بين تلك الخلاصات الغريبة وهي أن الملكية في بلادنا مهددة أكثر من ذي قبل.

قبل الرد على هذا الخرجة الإعلامية غير المحسوبة والتي تفتقر إلى المهنية المطلوبة  بسبب  الكيدية التي يحتفظ بها بعض أقلام هذه الجريدة الفرنسية، لابد من أن نتساءل عما هو سندها في خلاصات لا يقبل بها عاقل ولا تحليل متماسك ورزين، ومن هذا الذي حملها على هذه المجازفة؟

منطلقاتها في تلك الخلاصات غير منسجمة مع ما يفترض فيه أن يكون سببا موضوعيا يفضي إلى نتيجة حتمية ومعقولة.

فالجريدة تبني حججها الواهية فيما خلصت إليه أن إدارة الشأن العام في المغرب تتم بنوع من الازدواجية المتناقضة  أي كما تدعي ما بين الحداثة والمحافظة.

وكأن تلك الجريدة تريد أن تقول لنا أن في ذلك تناقض صارخ لا يمكن أن يوفر مستقبلا له ضمانات الديمومة والاستمرارية.

هذا القول مردود عليه بحجة أن طبيعة المغاربة ونمط تفكيرهم قائم بالأساس على تلك الازدواجية بل أكثر من ذلك على التعددية.

ليس الملك وحده يجمع بين هذه الازدواجية، بل جميع المغاربة في لباسهم وفي بيوتهم وفي عمرانهم يجمعون بين ما هو حداثي وما هو محافظ.

ملك البلاد كبقية رعاياه له من اللباس التقليدي ما يتزين به وله من اللباس العصري ما يتجاوز بكثير أهله من حيث الجمالية والتناغم ويلبس لباسا بألوان إفريقية ما يؤكد على قناعاته الإفريقية.

ويصعب على تلك الجريدة  أن تفهم بأن الازدواجية تقترن بالوسطية والاعتدال في إدارة شؤون الدولة وقضايا عموم المغاربة من قبيل الأحوال الشخصية عبر نقاش وطني مفتوح على جميع المشارب بخصوص تعديل مدونة الأسرة التي أبانت عن قناعات جمعت بين أصول الشريعة والحداثة.

ولذلك فالعقلية الفرنسية هي أبعد بكثير من أن تستوعب هذا الاعتدال والوسطية وتكتفي بفهم ضيق وبخلاصات بسيطة تحصرها في الازدواجية والتناقض.

إنه تناسق وتطابق في التعددية لمن لديه استعداد للفهم.

تتبجح أيضا الجريدة الفرنسية في محاولة لتقيم الدليل على واقع لا تراه إلا هي، وهو أن المسار السياسي الذي عرفته بلادنا كما تستعرضه بعض الأقلام في تلك الصحيفة على أنه مشهد سياسي متحكم فيه يشتغل “بالرومونت”.

وفي سياق ذلك يسردون تلك التطورات التي أصبحت متجاوزة بدءا من عام 2011 المرتبط بما سمي بالربيع العربي. مرورا بالعشر سنوات التي تولى فيها حزب العدالة والتنمية رئاسة الحكومة.

في هذا الصدد، تعمدت تلك الجريدة  أن تشكك في تلك التحولات السياسية  بنية خبيثة يراد بها الإساءة لمسار سياسي متميز ليس له مثيل في المنطقة العربية وفي ظرفية جد حساسة قلبت الموازين وأحدثت حالة من عدم الاستقرار في العديد من الدول العربية.

يبدو أن الجريدة الموقرة لم تكن راضية على ذلك المسار الذي أنقذ البلاد.

فهذه التحولات لا يمكن اعتبارها تحايلا بل هي محكومة بالظرفية وتندرج في سياق الانتقال الديمقراطي الذي تؤمن به فرنسا والعديد من الدول الغربية.

فكيف يمكن لهذه الجريدة أن تشكك في هذه التحولات السياسية والدستورية كلما تعلق الامر بالمغرب وتثني أو تسكت على مثلها في فضاء أوروبي. هذه ليست ازدواجية وإنما الكيل بمكيالين.

نفس المؤاخذة يمكن أن نوجهها إلى جريدة “لوموند” بخصوص استخدامها لنفس الأسطوانة المشروخة المتعلقة بمجال حرية التعبير في المغرب. وفي هذا الصدد ادعت الصحيفة أن هناك تضييقا على الحريات في بلادنا بما في ذلك حرية التعبير.

هذا الادعاء ليس له ما يعززه على أرض الواقع فإن كان هناك مجال أصبح يميز المشهد السياسي والإعلامي بالمغرب هو مجال هذه الحرية الذي انتشر انتشار النار في الهشيم.

ففي ما نعاينه اليوم ببلادنا قد تجاوز بكثير تلك الحقوق سواء في منابر إعلامية أو على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي إلى درجة نحن المغاربة بدأت تنتابنا مخاوف من استخدام هذه الحرية بشكل مبالغ فيه إلى حدود لا تطاق وصلت إلى السب والشتم وإهانة عموم المغاربة  ومحاولة النيل أحيانا من المقدسات.

 كما أن عدد المظاهرات التي شهدها المغرب في الآونة الأخيرة يبين بوضوح أنه البلد الوحيد في العالم العربي الذي رخص لتلك المظاهرات وقلما حصل ذلك في دول أخرى.

وبالرغم من هذه التجاوزات لم تفتح في السنوات الأخيرة أية متابعات قضائية ضد المخالفين للنظام عبر ما يعرف بحرية التعبير.

أعتقد أن أقل من ذلك في دول أخرى المعروفة باستبدادها يتم إيداع المخالفين في السجون من دون أية محاكمات، كما فعل ويفعل النظام الجزائري الذي حرم الجزائريين من التظاهر مهما كانت البواعث.

ولذلك كان على جريدة “لوموند” أن تدافع على المبدإ في بلدان الانتهاكات بدلا من أن توجه سهامها لمملكة عريقة ضاربة في القدم.

كما تقيم جريدة “لوموند” الحجة بخصوص نهاية الملكية في المغرب على الحالة الصحية لجلالة الملك وهي حالة كما يريد  ذلك المنبر الإعلامي الترويج لها لأهداف مقيتة.

وإن كان ولابد من رد على هذا الادعاء يكفي التذكير بأن إشعاع المملكة المغربية في عهد جلالة الملك محمد السادس هو إشعاع غير مسبوق وليس له مثيل في التاريخ الحديث للمملكة.

وتشهد عن ذلك  شخصيات فرنسية وازنة ومن جميع المشارب السياسية التي تعترف بأن المغرب أخذ مكانته المؤثرة سواء على مستوى المنطقة المغاربية أو على مستوى القارة السمراء وكذلك على المستوى الدولي.

إلى جانب ذلك، استطاع هذا الملك على مدى ربع قرن أن يغير وجه المغرب ليحوله إلى  أوراش مفتوحة لا تتوقف عن الإنجاز بفضل المتابعة الحثيثة لملك، ننام نحن جميعا، و لا يغمض له جفن. الفضل في كل ما سبق يعود بكل تأكيد إلى الحضور الوازن لجلالته في صناعة الحدث وتتبعه، وليس إلى غيابه.

فجلالته حينما يجري فحوصات طبية فأول ما يقوم به هو إلحرص على إطلاع  شعبه على وضعه الصحي عبر بلاغ من الديوان الملكي احتراما وتقديرا للحبل السري الذي يربط الملك بشعبه والمتمثل في العقد الاجتماعي باسم البيعة. وليس مطلوبا من الجريدة أن تذكرنا بذلك فهذه رسالة يجب عليها  أن تلتقطها.

ويجب مساءلتها كذلك أين كانت تلك الجريدة وبماذا كانت منشغلة حتى لا تبلغ الرأي العام الفرنسي بمرض الرئيس فرانسوا ميتران بالسرطان وقد حكم البلاد لولايتين بتلك الوضعية من دون إفشاء سر مرضه.

توقيت هذه الحملة أهم من مضمونها، وهو الذي يكشف أنها لا تعدو أن تكون سوى حملة مدفوعة الثمن مسبقا. فما جدوى أن تستند جريدة “لوموند” على معطيات قديمة تجاوزها الزمن.

كما هي ليست سرية بعضها معروف ومتداول وبعضها تم تسخيره للزج بمغالطات والتشويش على مملكة انطلقت في مسار تنموي مستقل يعيدا كل البعد عن أية وصاية. يبدو أن الجريدة كذلك غير راضية على هذا الوضع.

فالمهمة التي أوكلت لجريدة “لوموند” بلا شك أنها مدفوعة الأجر يقف من ورائها النظام الجزائري.

فلماذا هذا النظام معني يتحريك أقلام مأجورة معروفة بخط تحريري يؤهلها القبول بهذا الدور بالنيابة عن غيرها.

إنه معني بذلك من أجل خلط الأوراق والاصطياد في المياه العكرة لخلق أزمة بين فرنسا والمغرب كي لا تبقى الجزائر وحدها في صراع منفرد مع باريس بعد أن كان يختزل أزمته مع فرنسا في مواقف اليمين الفرنسي المتواجد في الحكومة.

ولأن الأزمة آخذة في الاستفحال بين باريس والجزائر بعد دخول الرئيس “إيمانويل ماكرون” على الخط في هذه الأزمة، فإن النظام الجزائري اعتقد أنه سوف يحرك بعض المنابر ذات التوجه اليساري من أجل شن حملة معادية للمغرب وجره إلى أزمة مع باريس لعلها تخفف عن ذلك النظام تسليط الأضواء عليه وبالتالي تخفيف تداعيات العزلة الشاملة التي يتخبط فيها مع فرنسا ومع دول الجوار في المنطقة.

أعتقد أن رهان النظام الجزائري على منبر إعلامي هو رهان خاسر وابتزاز  لا طائل من ورائه. أن هذا التحرك في الوقت بدل الضائع لن يزيد النظام الجزائري إلا تخبطا.

كما أن تحركه لا يراد به فقط استهداف المغرب وإنما محاولة يائسة لمساومة الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” الذي تربطه علاقات مميزة مع المغرب قائمة على الاحترام المتبادل واحترام التعهدات والالتزامات التي تعطي مصذاقية  للدول في علاقاتها مع الخارج.

ففرنسا في حاجة ماسة للمغرب والعكس ينطبق على المغرب في اتجاه فرنسا.

أما شطحات النظام الجزائري ومحاولة اللعب على الحبال أصبحت مكشوفة تتراكم فيها الفضائح واحدة بعد الأخرى.  فهل انتبهت جريدة “لوموند” إلى الخطإ الفادح الذي وقعت فيه أم أن بيع ذمتها أهم من  التنازل عن أخلاقيات المهنة.

https://anbaaexpress.ma/z9vm1

لحسن الجيت

كاتب ودبلوماسي مغربي سابق

تعليق واحد

  1. شكرا الاستاذ لحسن الجيت الكاتب المتمرس والدبلماسي المحنك على هذا الرد الشافي الذي ينتظره كل المغاربة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى