آراءسياسة
أخر الأخبار

لماذا أعادت دمشق الاعتبار لموسكو في سوريا؟ “تحليل”

تهتم إسرائيل ببقاء النفوذ الروسي في سوريا بما في ذلك بقاء قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية في يدّ القوات الروسية

بعد أيام من سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، تدافع المبعوثون الأوروبيون صوب دمشق على نحو لافت عارضين دعم التحوّل الجديد وإعادة تشغيل السفارات مقترحين طلبات على النظام الجديد من أهمها إغلاق القواعد العسكرية الروسية في البلاد.

وجدت أوروبا في الحدث مناسبة للتخلّص من خطر روسي يطل عليها من شرق البحر المتوسط فيما خطرها الآخر يطل من أوكرانيا.

لم يحصل ذلك. تعامل الرئيس السوري أحمد الشرع مع “ملف” روسيا بحذر وتحفّط على نحو لم يرضِ الأوروبيين ولم ترتح له موسكو نفسها. في 29 كانون الأول 2024، قال الشرع إنه لا يريد لروسيا أن تخرج بطريقة لا تليق بتاريخ العلاقات بين البلدين.

في 29 كانون الثاني أرسلت موسكو وفدا برئاسة ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية آنذاك. وفي 12 شباط، أعلن الكرملين أن الرئيس فلاديمير بوتين أجرى محادثة هاتفية “بناءة” مع الشرع. لا شيء في كل ذلك إلا كلام.

تبدّل هذا المشهد يوم الخميس. كلام كثير قيل في موسكو بشأن مستقبل العلاقة الروسية السورية. لكن الأهم هو الكلام الذي لم يقل ويمكن استطلاعه من بين السطور.

تسلّطت الأضواء على اجتماع ضم وفدي البلدين برئاسة وزير الخارجية سيرغي لافروف ونظيره السوري أسعد الشيباني.

لكن حدثا آخر جرى في ذلك اليوم بوصول وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة إلى موسكو بشكل منفصل وإجرائه والوفد المرافق اجتماعا مع وزير الدفاع الروسي اندريه بيلاوسوف بحضور الشيباني ورئيس جهاز الاستخبارات حسن سلامة.

لن تخرج روسيا من سوريا. بدا أن موسكو التي خيّل أن نفوذها التاريخي في سوريا قد تهمّش بعد سقوط الأسد تستعيد دورا يحتاجه الحكم الجديد في دمشق.

قال الشيباني بحضور نظيره الروسي أن الهدف هو “دعم الاستقرار في سوريا”. أخفت هذه الكلمات ما اشتُبه في أنه دور روسي يتلاعب بداخل سوري. منذ أيام ألقت دمشق القبض على خلية من “الفلول” في الساحل قيل إنها تابعة لماهر الأسد الموجود في روسيا.

وفي آذار حين اندلعت هجمات “الساحل” خرج من موسكو “رجل الأعمال” السوري الموالي للأسد، محمد جابر، وعلى الهواء مباشرة، ليفاخر بأنه كان وراء الحدث.

تعيد دمشق علاقاتها التي لم تنقطع مع روسيا. الأمر مهم وجلل بالنسبة لموسكو استحق أن يستقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشيباني.

بدت موسكو مرتاحة لتطوّر يعيد تثبيت موقعها على الخارطة الجيوسياسية السورية إلى جانب أطراف أخرى مثل الولايات المتحدة وتركيا والسعودية وأوروبا وإسرائيل.

لكن الأدهى أن هذه “العودة” قد لا تكون حاجة سورية فقط، بل مطلب كل اللاعبين من دون استثناء. وليس تفصيلا أن تطل سوريا على روسيا بعد أيام من “إنزال”اقتصادي وسياسي نفّذته الرياض في قلب دمشق.

جاهر الأوروبيون في الأيام الأولى لسقوط الأسد بعدائهم لوجود روسي في سوريا. بالمقابل فإن الولايات المتحدة لم تفعل ذلك، لا في عهد جو بايدن ولا في عهد دونالد ترامب.

حتى أن مصادر موثوقة أسرّت قبل أشهر أن واشنطن نفسها تدفع الشرع لإعادة الوصل مع موسكو والحصول على ما تحتاجه بلاده من عتاد عسكري لجيش لا يستطيع أن يتحوّل إلى السلاح الغربي في القريب العاجل. وفي الهمس أن لا تقلق دمشق من تمويل ذلك المسار.

لم يخف لافروف نصائحه لنظيره السوري بحكم متوازن يحمي الأقليات. تحدث عن مشاركة الأكراد في الدولة الجديدة. لم يكن ذلك مجرد ملاحظات هامشية.

تعرف دمشق أن روسيا “تمددت” صوب مناطق “قسد” وتَعِدُ بدعم يكون بديلا عن انسحاب أميركي متوقع من سوريا. ولئن تتفق موسكو ودمشق، فإن ذلك يسحب من الرؤوس الحامية في الداخل السوري ضد النظام الجديد سقفا وبيئة حاضنة يعوّل عليها.

تملك روسيا تجربة في نشر قواتها في مناطق فصل في جنوب سوريا بين سوريا وإسرائيل، وقد لا يغيب هذا الأمر عن مداولات وزيري الخارجية والدفاع السوريين داخل غرف موسكو المغلقة.

في البال أن واشنطن أوقفت تمادي إسرائيل في تهديد الحكم في سوريا إلى درجة استهداف مؤسساته في دمشق لكن الأمر يحتاج إلى ضامن آخر.

وفي البال أيضا أن بوتين يمتلك علاقات خاصة مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ما زالت ثابتة. وفي البال أيضا وأيضا أن تدخل روسيا في الصراع السوري عام 2015 لم يجر إلا بناء على تفاهمات بين الرجلين باركها الرئيس الأميركي آنذاك، باراك أوباما، فسكت وأسكت كل مصادر في المنطقة معاندة لذلك التدخل الروسي الساحق.

تهتم إسرائيل ببقاء النفوذ الروسي في سوريا بما في ذلك بقاء قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية في يدّ القوات الروسية.

تهتم بنفوذ يكون متوازنا من نفوذ تركي طموح في سوريا وكابحا له. والمفارقة أن تركيا نفسها قد لا يضيرها بقاء هذا النفوذ الذي تجيد التعايش معه وخصوصا إذا ما بات نسبيا محدودا يبقى تحت سقف الوهج الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة في سوريا والذي يُخرج سوريا من معسكرها الشرقي العتيق.

قد يلبي الشرع دعوة روسيا في تشرين الأول المقبل. سيكون جزءا من قادة عرب سيحضرون القمة الروسية العربية. لكن الرئيس السوري سيطل على موسكو بعد إطلالة من نيويورك من على منبر الأمم المتحدة في أيلول، فيما يدور همس عن أن من يصل إلى نيويورك قد يعرّج على واشنطن في ضيافة الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض.

https://anbaaexpress.ma/dg3kx

محمد قواص

صحافي وكاتب سياسي لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى