آراء
أخر الأخبار

في ذكرى السياسي والفيلسوف الألماني فيرنر هايزنبيرج

ألا إن الحرب إفلاس أخلاقي وجنون وجريمة في ثلاث كلمات..

لم يكن أكره على قلب (فولتير) من الحرب؛ فهي حسب رأيه “أم الجرائم وأعظم الشرور. كل دولة تحاول فيها إلباس جريمتها ثوب العدل.

إن القتل حرام، وجميع أنواع القتل يعاقب عليها في زمن السلم، أما إذا نفخ في الصور، وأعلنت الحرب فيصبح القتل بالألوف مباحاً!”

و(فولتير) في كتابه (القاموس الفلسفي) يصف الحرب: “يحتاج الإنسان إلى عشرين سنة كي يبدأ نضوج عقله، وثلاثة آلاف سنة ليكشف القليل عن بنائه، والأبد إلى أن يعرف شيئا عن نفسه، ولكن دقيقة واحدة تكفي لقتله!”.

ويتعجب كيف تنشأ الحروب بالأوامر؛ فيهجم فريق على فريق، بدون أن يكون بين أفراد الفريقين عداوة شخصية، سوى ما يأمر به الجنرالات المنحوسين من القتل.

ولو أن شخصين من الفريقين المتحاربين اجتمعا خارج ساحة الحرب؛ لربما ضيِّف أحدهما الآخر كوبا من القهوة؟ فكيف يحصل ما لا يصدق؟

ألا إن الحرب إفلاس أخلاقي وجنون وجريمة في ثلاث كلمات..

وحسب المؤرخ (توينبي) فإن الحرب كانت تسلية الملوك، وأن انهيار الحضارات تتنوع بسبعة أسباب، من أبرزها (انتحارية النزعة الحربية) كسبب في إخفاق تقرير المصير، ويذكر نموذج (دولة آشور)، التي بقيت تتفقد وتطور باستمرار الآلة الحربية، حتى ماتت (مختنقة في الدرع)، وهو ما سيؤول إليه مصير إسرائيل وأمريكا.

وجرت العادة أن نشوة القوة خمر لا فكاك منها. ومن سكر لم يعدّ الأقداح، وحسب (روبرت غرين) في كتابه (القوة)، فإنه ليس من شيء أخطر من النصر الذي يدير الرأس، ومن يمسك نفسه عند هذا الحد يملك صفة شبه إلهية.

وعند نابليون فإن أخطر اللحظات ليست الهزيمة بل النصر. وهو ما فعله بسمارك بعد حرب 1870 م فوحد ألمانيا، وبقي عندها بدون تجاوز وحفظ اسمه في التاريخ.

وفي يوم كان الإنسان يصيد السمك وحيوانات الغابة، ولكنه اليوم يذهب للصيد ليس لسد مسغبة الجوع بل للتسلية، وهكذا كانت الحرب قديما ملهاة الملوك.

وفي الحرب الأهلية الأمريكية اصحب الجنرالات زوجاتهم (للفرجة) لأنهم لم يكونوا يتصوروا أهم في صدد حرب ضروس سوف تلتهم 600 ألفاً من الأنام، كما ظن حسن نصر الله، الذي خطف اسم الله لحزبه، أنه لم يكن يتوقع أن يكون رد فعل إسرائيل على خطف جنديين بهذا العنف والضراوة. كمن يداعب الأسد ويطلب منه هزلا.

وحسب أولمرت وأحمدي ونصر الله وأشياعهم؛ فالكل انتصر في حرب لبنان، باستثناء لبنان الذي تحطم مثل لوح زجاج ضربه شقي بحجر فأصبح شظايا.

وقرأت أنا بعد حرب 1973 م كتابا بعنوان (المحدال) وتعني (التقصير) باللغة العبرية، كيف فوجئت إسرائيل بالهجوم العربي، وهذا هو مصدر قوة إسرائيل، فمن يحكم إسرائيل ليسوا آلهة، بل بشر ممن خلق، تشهد لهم طاولتهم التي عليها يجتمعون، وحولها يتناقشون، لا يبعد أنف أحدهم عن الآخر أكثر من قارورة ماء، وليس مثل القاعات المرعبة للقيادات العربية، المسافة بين الكنبة والثانية بقدر عرض غرفة القيادة الإسرائيلية فلا يسمع أحد إلا همسا.

وهو يشهد أيضا أننا لم نفهم إسرائيل بعد، أنها من الداخل نموذج غربي، في دولة تضم خيرة الأدمغة، بنظام مالي متطور، ومؤسسات للبحث العلمي، وقدرة عسكرية تذكر باسبرطة العصر اليوناني الذهبي، ذات نظام ديموقراطي تذكر بأثينا، ومواطن يؤخذ رأيه في الحرب والسلم، لا يخاف على نفسه إذا عبَّر، تسمح لعزمي بشارة أن ينتقدها علانية في المحطات الفضائية، ولو حدث هذا في بلد ثوري عربي، لكان تحقيق منكر ونكير في الفروع الأمنية بانتظاره، مع الضرب على الوجوه والأدبار، حتى يسبح بحمد الرئيس القائد.

فهذا هو الفرق بين العرب  وإسرائيل، وهذا هو مكمن تفوق إسرائيل لو كانوا يعلمون؟

وفي الحقيقة لا يمكن تصوير الفرق بين السياسيين والعلماء، كما ظهر بين توقعات حسن نصر الله، وتوقعات الفيزيائي الفيلسوف فيرنر هايزنبرغ عن الحرب الكونية، كما جاء في كتابه (الجزء والكل ـ محاورات في مضمار الفيزياء الذرية) في فصل (تصرف الأفراد حيال الكارثة السياسية).

لقد بلغت دقة تنبؤ (هايزنبرغ) ما يذكر بالرؤيا الصادقة، والرجل لم يرها في المنام بل بالتحليل العلمي.

يقول هايزنبرغ إنه فكر بثلاث: عائلته، ففعل كما فعل من يركب السفينة في مواجهة العاصفة، وهكذا نقل عائلته إلى الجبال استعدادا ليوم القيامة، عندما تنهدم المدن الألمانية، فلا يبق حجر على حجر.

وثانيا: أن يزور أصدقائه فلعله لن يجتمع بهم.

 وثالثا قرار البقاء في العاصفة، وله تفسير لطيف، أنه سيعود لتربية جيل جديد لا علاقة له بالحرب والنازية؛ فينشيء القاعدة العلمية الجديدة لألمانيا الحديثة، وهو ما حصل في ظهور معاهد (ماكس بلانك) المتفرقة في كل ألمانيا.

وحين سأله صديقه انريكو فيرمي إن كان يعتقد بأن الحرب واقعة؟ كان جوابه إنها واقعة لا محالة، كما تسبق سحب الخريف الرعد والبرق والمطر.

 سأله فيرمي: ومن تظن انه سينتصر في الحرب؟

وكان جوابه: بالطبع سيربح الحلفاء الحرب، ويخسر هتلر؟

وكان تعليله: يا صديقي فيرمي إن الحرب تكنولوجيا، ولا طاقة لألمانيا بخصومها.

ثم يعقب برؤية يحسد عليها: وهتلر يدرك ذلك، وأتفاءل أن يستوعب الحقيقة، ولكن يا صديقي متى كانت الحرب عقلانية؟

وهتلر لا يختلف عن الجنرالات المعتوهين في شيء لأنه لبس قبعتهم واتشح بردائهم.

حسن نصر الله تفاجأ برد الفعل الإسرائيلي حتى قضى نحبه بين الركام وارتاح منه السوريون على نحو غريب!

فهذا هو الفرق بين السياسي العسكري، والفيلسوف العالم الذي يرى الأحداث ويتنبأ بها برؤية شبه نبوية.

https://anbaaexpress.ma/6e6qm

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى