تصاعدت الأزمة الدبلوماسية بين فرنسا والجزائر إلى مستوى غير مسبوق، بعد كشف صحيفة لوموند الفرنسية، في 9 غشت أن قاضياً فرنسياً أصدر في 25 يوليو مذكرة توقيف دولية بحق صلاح الدين سلوم، الدبلوماسي الجزائري السابق في باريس، بتهمة التورط في شبكة إرهابية يُشتبه في إعدادها لارتكاب جرائم على الأراضي الفرنسية. وتكشف هذه القضية عن أنشطة سرية وعنيفة منسوبة لجهاز الاستخبارات الجزائري داخل فرنسا.
تأتي هذه التطورات وسط توتر متزايد في العلاقات الثنائية، إذ صعّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من لهجته تجاه الجزائر، داعياً في رسالة نُشرت في لوفيغارو إلى “مزيد من الحزم” و”قرارات إضافية” بحقها، من بينها تعليق اتفاق 2013 الذي يمنح إعفاءً من التأشيرات لحاملي الجوازات الرسمية والدبلوماسية، وتفعيل آلية تقييد التأشيرات وإعادة القبول، إضافة إلى دعوة دول الاتحاد الأوروبي لمنع التفاف المستهدفين بالعقوبات عبر دول أخرى في فضاء شنغن. من جهتها، اكتفت الجزائر ببيان رسمي وسحب منح مجانية لعقارات السفارة الفرنسية في الجزائر.
وبحسب التحقيقات، فإن سلوم متورط في عملية اختطاف المعارض الجزائري واليوتيوبر أمير بوخُر، المعروف بـ”أمير DZ”، الذي لجأ إلى فرنسا واشتهر بكشف ملفات فساد في بلاده. ففي 29 أبريل 2024، اعترضه أربعة رجال، اثنان منهم يرتدون أساور شرطة، بالقرب من منزله في منطقة فال دو مارن، حيث تم تقييده ونقله في مركبة مجهزة بصفارات، قبل أن يُحتجز ويُخدّر ويُستجوب لمدة 27 ساعة، ثم يُلقى به في غابة نائية. وأظهرت سجلات الاتصالات أن سلوم كان في محيط الضحية قبل الاختطاف، وأنه على صلة بموظف في القنصلية الجزائرية في كريتاي تم توقيفه في أبريل 2025. وغادر سلوم فرنسا في 1 مايو 2024، أي بعد يوم من إطلاق سراح أمير DZ.
إصدار المذكرة الدولية يعكس رسالة قضائية فرنسية واضحة بأن الغطاء الدبلوماسي لن يحمي من ارتكاب أعمال غير قانونية على أراضيها، ويضع اسم سلوم في ملفات توثق ممارسات وُصفت بـ”المافياوية” منسوبة لحكومة الرئيس عبد المجيد تبون. هذه القضية، التي تأتي بعد اعتراف باريس بسيادة المغرب على الصحراء واعتقال الكاتب بوعلام صنصال في الجزائر، تبدد أي آمال في استعادة الدفء للعلاقات الفرنسية الجزائرية في المدى القريب.
القضية حسب محللين ، تمثل نقطة تحول في الصراع الخفي بين باريس والجزائر، إذ انتقلت الخلافات من مستوى التصريحات السياسية إلى مواجهة مباشرة تشمل الأجهزة الأمنية والقضائية.
التحرك الفرنسي، وخاصة عبر مذكرة توقيف دولية ضد دبلوماسي سابق، يكسر قاعدة “الحصانة” ويكشف استعداد باريس لاستخدام أدواتها القضائية والدبلوماسية لردع ما تعتبره “تجاوزات استخباراتية” على أراضيها، الأمر الذي قد يدفع بالعلاقات نحو مزيد من القطيعة وربما إجراءات انتقامية متبادلة.