آراءثقافة
أخر الأخبار

عندما بزغت الشمس مرتين.. في ذكرى هيروشيما بعد ثمانين عاما (3-4)

ماحصل في (هيروشيما)  لم يكن (تقنية) جديدة برزت في الحرب أو (سلاحاً سرياً) تم تطويره، إنه في الواقع (إعلان كوني) عن دخول الإنسان عصراً جديداً..

حاليا ومع كتابة هذه الأسطر بمناسبة مرور ثمانين عاما على حريق هيروشيما 6 غشت وناغازاكي 9 غشت من عام 1945م برزت حركة تسمى نفسها (هيباكوشا = Hibakusha  ) حيث يقوم أحد الباحثين (نوبوهيرو ميتسوكا = Nobuhiro  Mitsuoka) بتسجيل أقوال آخر ضحايا القنبلة الذرية، تحت عنوان قدموا أروحهم ولكن أنقذوا الجنس البشري؛ فلم يستخدم السلاح الذري ثانية بعد مرور ثمانين عاما على استخدامه على الرغم من محاولة التفكير باستخدامه.

يقول المذكور أنه بقي من ذلك الجيل 99 ألف نسمة، ويموت سنويا منهم ممن تجاوز الثمانين من العمر سبعة آلاف فوجب تسجيل كل ملاحظة وذكرى منه. ونتابع في هذا الجزء تلك اللحظات الأبليسية؟

نتابع في هذه الحلقة مشاهد من الجحيم: وماتبقى من الكارثة بعد أن احترق في اللهيب عشرات الالاف في لحظات نحسات جاء وصفهم على لسان كاتب ياباني معروف هو (يوكو اوتا) مايلي: (لم أتوصل بسهولة إلى فهم كيف استطاعت بيئتنا أن تتحول إلى هذا الشكل خلال لحظة، وظننت أنه من المفروض أن يكون قد حدث شيء ما، لاعلاقة له مطلقاً بالحرب، إنه لاشك نهاية العالم، كما كنت اقرؤها في الكتب عندما كنت طفلاً) (1).

أو مارواه شاهد عيان: (بعد قليل شرعت مواكب المعوقين من جميع الأنواع والأشكال لم يعرف لها التاريخ مثيلاً،  تتهافت وهي تنزح من وسط المدينة،  باتجاه الضواحي المحيطة بها).

(2): (كانت أذرعهم تتدلى ووجوههم؛ ليس فقط جلود أيديهم وحدها؛ بل أيضاً جلود وجوههم وجميع أطرافهم كانت تتساقط مهترأة، ولو اقتصر الأمر على شخصين أو ثلاث لهان الأمر، ولكن حيثما كنت أتوجه كنت أصادف مثل هؤلاء البؤساء، كثيرون سقطوا أمواتاً على طول الطريق، ولازلت أراهم ثانية وهم يتقدمون كالأشباح، ولم يبد عليهم أنهم ينتمون إلى هذا العالم، وبسبب جراح اولئك الناس لم يكن بالإمكان أن يعرف فيما إذا كنا نراهم من الوجه أو الظهر) (3).

  قفزة نوعية في القوة وعصر جديد

ماحصل في (هيروشيما)  لم يكن (تقنية) جديدة برزت في الحرب أو (سلاحاً سرياً) تم تطويره، إنه في الواقع (إعلان كوني) عن دخول الإنسان عصراً جديداً؛ فهذا التطوير الجديد أدى إلى (تثوير جديد) في فهم العلاقات الإنسانية، كما ادى إلى إعادة النظر في مفهوم القوة بشكل بنيوي. إن هذه القوة الآن لم تعد قوة ؟! إن رحلة القوة دخلت مرحلة (إلغاء القوة)، وهكذا حصل شيء عجيب مازلنا نتابع تطوره كالمسحورين، ولانكاد نصدق في تغير مصيري يغلف مصير الجنس البشري،  حيث دخل العالم (نظرياً ) مرحلة (السلام)، على الرغم من (طقطقات) الرصاص هنا وهناك في بقع متفرقة من العالم، هذه المرة دخل العالم السلام ليس مريداً له بل (غصباً عنه = كما يقول المغاربة بزز عنه؟)، وهكذا أَدَخل العلمُ الإنسان إلى السلم. العلم قاد للسلم.

كما يقول القرآن (وله أسلم من في السموات والآرض طوعا وكرها = انتبهوا الى كلمة كرها = غير مريد) ولم  تنفع كل مواعظ الصالحين السابقة،  ولابكاء المعذبين، ولا نصائح الحكماء، ولاحتى كل مصادر الحكمة الإنسانية.. الذي فعل هذا كان العلم؛  فالعلم والتطور العلمي الرهيب كان أعظم في إعصاره من كل تصور وأكبر من عقول السياسيين الضيقة الذين لايرون أبعد من أرنبة انفهم!!.

العلماء الذين فجروا السلاح الذري. الذين امتلكوا سره.  هم الذين وعوا روح العصر وحركة التاريخ. الذين سبروا غور الذرة. الذين فهموا تضاعيف الجزيئات دون الذرية،  واليورانيوم غير المستقر، والانشطار أو الالتحام النووي هم الذين شعروا بأهمية السلم، وخطر (مفهوم القوة والجبروت) على مصير العالم والجنس البشري.

الذي أدرك هذا التطور الخطير هم ليسوا (العسكر) أو (البنتاغون)، فالعسكريون تنفيذيون. الذي أدركه هو من صنعه وطوَّره وولدَّه!! العلماء المبدعون، لذا نادى فوراً (روبرت اوبنهايمر) (الرأس العلمي) للمشروع بالتوقف عن المضي في لعبة الموت هذه، فدعا إلى السلام وتوقف عن المضي في تسخير إمكانياته للسلاح النووي.

كذلك فعل (نيلز بور) الدانماركي فاقترح عل كل من ترومان وتشرشل تدويل ومراقبة التسلح النووي. كذلك من الطرف الألماني (فيرنر هايزنبرج) و (أوتو هان) الذين شعروا بالأسى الكبير بهذا التطور الجديد الذي وضع الجنس البشري على حافة الفناء هذه المرة.

هذا (التطور النوعي) لم يدركه السياسيون بالطبع،  فضلاً عن شريحة واسعة من المفكرين والقادة في العالم الإسلامي، من أن العالم قد ولد ولادة جديدة. الحرب اليوم لم تعد حرباً!!

مراجع وهوامش:

(1) عن كتاب مصير الكوكب الأرضي في الحرب النووية ـ جوناثان شل ـ ترجمة موسى الزعبي وعيسى طنوس مكتب الخدمات الطباعية ـ دمشق 1986 م ـ ص: 48 (2) نفس المصدر السابق ص:  49 (3) نفس المصدر السابق ص: 50.

يتبع.. 

https://anbaaexpress.ma/bugga

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى