تنبيه مهم
أولاً، القواعد العامَّة في قضية الرزق:
1/ العطاء غير المحدود لكل البشر بلا استثناء حتماً وقطعاً، لقوله تعالى: {قل كل نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك، وما كان عطاء ربك محظوراً} سورة الإسراء، وليست بمخصوصة لفرد دون الآخر، أو لجماعة دون الأخرى، ولا لدولة خلاف دولة، ولا لحساب محسوبية أو محاصصة، وما أشبه.
2/ لا علاقة للرزق ولا للمرزوق من ناحية التحصيل العلمي الأكاديمي، أو الوضع الأسري مهما كان، أو المكانة الاجتماعية كيفما اتفق، أو كثرة العبادة لمَّا يكن.
3/ الناس سواسية في التوزيع العادل للثروة وكيفية التوظيف للموارد الطبيعية والبشرية، فلا حق لأحد مهما كانت سطوته أو سلطته أن يحتكر أو يكنز مورداً اقتصادياً ما لحسابه على حساب الآخرين، ذلك لمناقضته طبيعية الأشياء وقانون العدالة الإلهية.
4/ البشر، كل البشرية، يجب أن لا تتنافس أو تتسابق على الوفرة بأي حال كان، وهي قاعدة عريضة وراسخة في الوجود البشري على الأرض، لقوله تعالى: {وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين} سورة فصلت، بل تتوافق وتتعامل وتنتج وتتعاون مع حالة الشُحِ والندرة وقِلَّة المتاح من الموارد البشرية والطبيعية، ذلك لأن التقدير الإلهي جعل الوفرة على الأرض منذ مهدها القديم إلى حتفها الحتمي، ومن عمل عكس ذلك أدخلت البشرية نفسها في حروب وقتال وسفك الدماء بلا نهاية وبلا غاية.
5/ الرزق، رزق الله، بين الوفرة والشح، وبين التقدير والتقتير، وبين البسط والإكرام، عملية توازن كمي وكيفي تعتمد على المشاركة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، وفقاً لميزان العدالة الإلهية في التوزيع والتقسيم العادل للثروة، ومن يتجاوز أدخل نفسه وجماعته ودولته في متاهة الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني وخلافه، وزاد في ذات الوقت من التضخم والعطالة والبطالة، وقلل من زيادة النمو الاقتصادي العالمي بحال من الأحوال.
ثانياً، بسط الرزق، الاشتراكية الاقتصادية العالمية:
بالرجوع إلى القاعدة العامَّة الأولى، هي أنَّ الرزق مبسوط بالوفرة الوفيرة الكثيرة، سواء كانت في الموارد البشرية أو الطبيعية، على أن توزع توزيعاً عادلاً غير مجحف ولا مهضم لأحد من أحد، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1/ الطاقة المتجددة.
2/ المسطحات المائية والمياه المحلية والإقليمية والدولية.
3/ الثروة الطبيعية والمعدنية والحيوانية والسمكية وما أشبه.
4/ التبادل المنفعي التجاري والاقتصادي العالمي.
5/ الثروة الزراعية ومنتجاتها ومنتجات الغابات.
6/ النفط والغاز الطبيعي ومنتجاته.
7/ النقد الدولي بكل مستوياته ومسمياته في الدورة المالية الاقتصادية العالمية.
8/ الكفاءات العلمية والمهنية والحرفية والأكاديمية العالمية، وتبادلها للتطوير وزيادة الناتج المحلي والعالمي الإجمالي.
9/ الطاقة الكهربائية ونقلها إلى المناطق التي تتأثر بها.
10/ مياه الشرب والخزانات والسدود والأنهار والمياه الجوفية وما أشبه.
ثالثاً، تقدير الرزق، الرأسمالية العالمية:
هنا مربط الفرس، لأنَّها لا تحدث أو لا تكون إلا بإخلال الميزان الإلهي من البشر بالتوزيع العادل والمرضي الاجتماعي في الموارد البشرية والطبيعية، في الإجحاف والإضرار بالناس، ويكون نتيجة لذلك الإخلال بالنظام العام المجتمعي تلخيصاً في الآتي:
1/ عدم إكرام اليتيم البشري، واليتيم هنا الإنسان في إطلاقه، ثم التخصيص للشريحة المعروفة باليتامى، سواءً كانت من مجهولي السند أو المشردين أو فاقدي أحد الأبوين، مصداقاً لقوله تعالى: {كلا بل لا تكرمون اليتيم} سورة عبس.
2/ الظلم والقهر والكبت والإذلال والتهميش المجتمعي في استغلال الموارد البشرية والطبيعية، عبر السلطة أو النفوذ السياسي أو الخروج عن القانون، أو بمعنى أدق: باستغلال القانون نفسه لصالح فئة على حساب فئة أخرى، مما ينتج عنه سوء التقسيم العادل للثروة عموماً، ثم تكون الثورات والثورات المضادة انتفاضاً للحق وللحصول على الحق في الحياة، ويمكن التركيز هنا على المشاركة الاقتصادية والاجتماعية في تحقيق التوازن بين الناس، مصداقاً لقوله تعالى: {ولا تحاضون على طعام المسكين} المرجع السابق..
الحض هنا التبادل المنفعي التجاري الدولي للاقتصاد العالمي لحقوق الإنسان، فــــــ ( الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار ) وسبق توضيحها آنفاً، المسكين هنا هو عموم الناس، وحال كانت العدالة الاجتماعية والاقتصادية متوفرة فإنَّها تذهب بطبيعة الحال للذين هم أقل حظاً ومقدرة على العطاء والانتاج بسبب علَّة أو عاهة أو عجز خَلْقِي أو خلافه في الحصول على أبسط مقومات الحياة وعلى الدولة عبر مؤسساتها التنفيذية السعي إلى تلك الفئة غير القادرة لا على العمل والإنتاج ولا على العطاء بسبيل ما وتعمل على تحقيق المساواة في الحقوق والواجبات والالتزامات تجاههم، الاحتكار والاكتناز والاستغلال للموارد الطبيعية لدولة ما على حساب دولة أو دول ما على حساب دول أخرى كما هو الحال بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين دولة شيلي أو بين فرنسا والسنغال مثلاً، واستعمال القوة والنفوذ الاقتصادي لهما على إدخال الدولة الضعيفة ومؤسساتها الأضعف في ديون والتزامات مالية مجحفة فلا تملك الدولة ولا شعبها السداد ولا امتلاك لقرارها السيادي لأي سبب كان، فتمتلك الدولة الدائنة الدولة المدينة لقرارها السيادي والتحكم فيها عبر اغراقها مجدداً وكثيراً بمزيد من الديون والالتزامات..
فتدخل الدولة في العجز عن الوفاء بالتزاماتها تجاه الدول الدائنة وتفشل فشلاً ذريعاً في إدارة الدولة وتكون لقمة سائغة في أفواه القوى الاقتصادية المخيفة ثم التدخلات السياسية الأخرى، وعلى المستوى الشخصي أو القطاع الخاص أو القطاع العام أو الفردي يكون القياس والتحليل مصداقاً لقوله تعالى: {وتأكلون التراث أكلاً لمَّاً} المصدر السابق، التراث هنا يعني الموارد البشرية والطبيعية لكن بالأخص الطبيعية التي أشرنا إليها سابقاً، الصراع على الوفرة حال وجود الكثرة بما يُعرف أيضاً في وقتنا الحالي بالصراع على الموارد عبر قوتين دوليتين هنا كما الولايات المتحدة الأمريكية وبين روسيا اليوم، أو بمعنى أصح:
الصراع بين الرأسمالية العالمية وبين الاشتراكية الاقتصادية المجتمعية، المعسكران في حالة صراعات سياسية واجتماعية وعسكرية دائمة إمَّا بالحرب الباردة كالتجسس والتخابر وإحباط منافذ القوى لدى الطرف الآخر كما هو الحال بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين إيران في المفاعل النووي الإيراني وتخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية للطاقة الذرية أو للأغراض الصناعية الدفاعية والأمنية والاقتصادية العسكرية وتدخل فيها التحكم في المصادر المالية العالمية أو المحلية والإقليمية، أو الحرب العسكرية عبر الوكالة الدولية والمحلية والإقليمية بوسيلة التحالفات العسكرية كما معروف بحلف الناتو والاطلسي وخلافه، يصدق عليهم قوله تعالى: {وتحبون المال حُبَّاً جَمَّاً} المصدر السابق، المال هنا هو عموم استغلال النفوذ السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني والعسكري وقوة السلاح وخلافه في إدارة العالم لأحد المعسكرين، إخلال الميزان الإلهي بعدم التوزيع العادل للثروة والسلطة، ينتج عنه بطبيعة الحال الشعور بالقهر والكبت والإذلال والتهميش المجتمعي والدونية أو صراع الطبقات، ومن ثم تنشأ الحروب بغياب الأمن القومي والدخول في متاهات القتل والتشريد والنزوح واللجوء إلى حيث يوجد الأمن والطعام والشراب، قال تعالى: {وفي أموالهم حق معلوم * للسائل والمحروم} سورة القلم..
مما سبق تعطي بداهة الأشياء والأحياء حال الإخلال بالناموس الإلهي في قواعد بسط الرزق وعدم التوزيع العادل للثروة والسلطة للموارد البشرية والطبيعية إلى القدر والتقتير للناس والجماعة وللأفراد في قضية الرزق بشكل كبير ومباشر، ودعنا نلخصها بمصطلح “العذاب والعقاب”، انهيار المنظومة السياسية والفكرية والاجتماعية والإنسانية والاقتصادية بانهيار الأخلاق والقيم الإنسانية الحميدة، زيادة معدلات التضخم والعطالة والبطالة عبر ما يعرف بالربا كمنظومة اقتصادية عمودها استغلال النفوذ والقانون للإنسان أو المواطن أو الشعب في عملية البناء والتنمية المستدامة للأقل حيلة ودخلاً مالياً عبر رفع قيمة نسبة الدَيْن في كل مرة يعجز فيها المدين عن الوفاء بالتزاماته تجاه المؤسسة الدائنة هكذا حتى اعجازه تماماً ثم ادخاله السجن بلا ذنب جناه كما هو الحال عندنا في السودان بين البنك الزراعي السوداني وبين المزارعين – فيما نما إلى علمي – عند تمويل المواسم الزراعية فيعجز المزارع عن سداد القرض فيقوم البنك بإمهاله فترة إضافية للسداد على أن يرفع من نسبة أرباحه على حساب المواطن المزارع الغلبان حتى لو كان بسبب طبيعي مثل عدم سقوط الأمطار بالنسبة الكافية لنجاح المحصول أو الموسم الزراعي، الكوارث الطبيعية كالفيضانات والسيول والأعاصير والزلازل والبراكين وما أشبه، مما يضعف الدولة بالنهوض مجدداً للحالة التي كانت عليها وبسرعة فائقة في تحقيق التوازن البيئي والاقتصادي والاجتماعي والأمني وخلافه من جديد لأنه يحتاج خلاف الوقت إلى مصادر مالية ضخمة لبداية الإعمار والتنمية المستدامة..
هذا يقابل الإخلال بالناموس الإلهي الطبيعي للناس والجماعة وللأفراد، الموت الجماعي، إمَّا بالحروب وإمَّا بالكوارث الطبيعية والفلكية وإمَّا بتفشي الأوبئة والأمراض المعدية كما حدث سنة 2019 بانتشار وباء جرثومة الكورونا التي فتكت بالناس وبالموارد الاقتصادية العالمية حيث بلغ عدد المصابين أكثر من 668 مليون إصابة في أكثر من 188 دولة ومنطقة حتى تاريخ 22 / 1 / 2023 تتضمن أكثر من 6.73 مليون حالة وفاة بالإضافة إلى تعافي أكثر من مليون مصاب، حيث تعتبر الولايات المتحدة الأميركية أكثر الدول تضرراً من الجائحة / صراع الاشتراكية – بسط الرزق – والرأسمالية – استغلال رأس المال لتطويع الشعوب “تقدير الرزق” -، راجع حديثنا أعلاه / حيث سجَّلت أكثر من ربع مجموع عدد الاصابات المؤكدَّة، وإمَّا بقلَّة الإنتاج والعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي أقلَّاها، العقاب وفقاً لمعادلة الإخلال بالناموس الإلهي في الأرض، يكون أول ما يكون لا للذين ماتوا متأثرين بالأضرار المذكورة أعلاه، بل للأحياء بالتحديد لأنَّ عليهم عند الرجوع إلى نقطة البداية الصفرية للبناء والتعمير أن يواجهوا ما اقترفته أيديهم لو أنهم يعلمون مما يصعب عليهم نفسياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً أن يعودوا بالحياة أدراجها الأولى للإنسان الأول قبل القرون الأولى من الحياة المعتمة المجهولة، قال المتنبي: ودون سميساط المطامير والملا وأودية مجهولةٌ وهجولُ، انعدام أو قل: شح الموارد البشرية والطبيعية المتاحة بعد حدوث الكوارث الطبيعية والفلكية لعملية الإصلاح الاقتصادي العالمي من جديد مما يتطلب جهداً أكبر في الوصول إلى النقطة الأخيرة من التنمية قبل وقوع الواقعة، الانحلال الأخلاقي والأسري والمجتمعي بعامة وخصوصاً الأفراد لما يواجهونه من صعوبة في تطبيق العرف والتقاليد والعادات المجتمعية الإنسانية والأخلاقية والمعاملة الحسنة بينهم لغياب القانون الرادع لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح.
أو قل: غياب أو تباطؤ السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والإدارية ثانية لتحقيق الأمن وترسيخ القانون، حدوث الهجرات القسرية لدول الجوار أو للمناطق غير المتأثرة بالكارثة مما يقلل فرص العمل والإنتاج بسبب المرض والنزوح واللجوء إلى المناطق الآمنة والصحية والبيئية النظيفة، حدوث التشريد والسرقات وحالات الاغتصاب الجماعي والنهب والسلب والقتل والسحل والفوضى الأمنية والأخلاقية وسوء المعاملة بين القطيع البشري، غياب أو اهتزاز الواعز الضميري الإنساني الدولي وتذبذبه بين الرجوع إلى الحق والفضيلة وبين القعود في الرذيلة والانكفاء السالب، يتضح مما سبق أرجوحة بسط الرزق وقدره على الناس لا بمنعزل عن أيديهم بل بتماهييهم مع الناموس الطبيعي الإلهي لهم فمتى ما حقق البشر معادلة التوزان المجتمعي بالتوزيع العادل للثروة والسلطة فإنَّهم في خير، ومتى ما أخلوا به كانوا في متاهات الفوضى والدمار البيئي والاقتصادي والاجتماعي والأمني وخلافه، وعن هذا وذاك يكون التفاضل والتباعد الطبقي في الرزق بالكد والاجتهاد والمثابرة والفضل الإلهي من أجل تحقيق عملية التسخير وحاجة البشر للبشر لتقريب المسافات بين الناس، ومتى ما تحقق التوزيع العادل للثروة بتحقيق الكفالة المجتمعية الإنسانية بما يعرف أيضاً بالاشتراكية العالمية في الفرد والمجتمع والعالم كله فإنهم في خير كما كان الحال في دولة ليبيا وروسيا الصين وكل الدول ذات النظام الاشتراكي، وحيث تجد الإخلال بالنظام السابق ذكره كما هو الحال في القوى أو الدول الرأسمالية العالمية كالولايات المتحدة الأمريكية وغيرها الكثير تجد الكوارث والمصائب والمحن والفقر والمرض والجهل.